علامة استفهام ثانية

 

محمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

قبل أكثر من سنة من الآن، كتبتُ مقالة وعنونتها بـ"علامة استفهام"، خصصتها للتحدث عن بعضٍ من قرارات وزارة الصحة واللجنة العليا المكلفة ببحث آليات التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (سابقًا)؛ فيما يتعلق آنذاك بإغلاق المساجد والجوامع خوفًا من عودة انتشار فيروس "كوفيد-19" في الأوساط المجتمعية، ولمن أراد الاطلاع على المقالة كاملة فهي موجودة على صفحات جريدة الرؤية في قسم المقالات.

واليوم أكتبُ مقالة أخرى بذات العنوان، إلّا أنها "علامة استفهام ثانية"، وربما تتبعها ثالثة ورابعة في قادم الأيام؛ لنتحدث فيها عن بعضٍ من هموم الوطن والمواطن، فإليكم الحكاية...

في ما مضى وبالتحديد يوم الخميس 20 فبراير 2020؛ أي قبل 30 شهرًا بالتمام والكمال؛ وقعت وزارة النقل والاتصالات- وذلك قبل أن يتغير مُسمّاها إلى وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات- على اتفاقيتين في مجال الطرق، بقيمة إجمالية 165 مليون ريال عماني، (ما يعادل 428.6 مليون دولار). ووفقًا لبيان الوزارة الذي تلى ذلك التوقيع، فإنَّ العقد الأول يتمحور حول مشروع إضافة الحارتين: الثالثة، والرابعة على طريق الرسيل- بدبد، والعقد الثاني يخص مشروع وصلات طريق الباطنة السريع، وإنشاء جسور على الدوارات الرئيسية على طريق الباطنة القائم.

هل ركزت أخي الكريم على الجزء الأخير من الفقرة السابقة "إنشاء جسور على الدوارات الرئيسية على طريق الباطنة القائم"، والمحدد للانتهاء من إنجازه 36 شهرًا، مضى منها 30 شهرًا وتبقت ستة أشهر، على اعتبار أننا في مارس المُقبل سنحتفل باكتمال كل الجسور على طريق الباطنة العام!

لكن- حسب ما تراه العين- لم يتغير شيء، ولا بارقة أمل تلوح في الأفق لهكذا أمر، وما زال طريق الباطنة العام كحاله السابق؛ فلا جسور جديدة ولا دوارات قديمة؛ بل إنه يزداد ترهلًا يومًا بعد يوم، مما يعرض سلامة سالكيه للخطر، فالخطوط الأرضية والدهانات منتهية تمامًا، والحواجز الحديدية التي تفصل المسارين في كثير من الأماكن محطمة ومهشمة ومساوية للأرض، ناهيك عن وجود الكثير من الحفر والتشققات، فماذا حدث؟ وأين ذهبت المخصصات المالية المرصودة لإنشاء جسور خط الباطنة؟

نُقدِّر جهود وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، مدركين تمامًا للدور الريادي الذي تقوم به في مجال تطوير البنية الأساسية؛ وتهيئة الطرق الرئيسية والفرعية لمواكبة النمو السكاني المطّرد؛ والتطور العمراني الهائل؛ الذي تشهده محافظات وولايات السلطنة، ولكن يجب الاهتمام بما هو أولى، والسعي لإنجاز المهام ذات الأولويات العالية، والتي تتعلق بسلامة أرواح وممتلكات الناس، وتسهيل أمور تنقلهم.

ومما لا شك فيه أن خدمات مهمة كالطرق مثلًا؛ والتربية والصحة، يجب أن تواكب النمو السكاني والتطور العمراني في البلد، لا يجب أن تكون متأخرة بسنوات ضوئية عن كليهما.

لكن ما نراه الآن يشير إلى أن النمو السكاني والزحف العمراني في السلطنة ينطلق بسرعة الصاروخ عابرا للسهول والوديان وحتى الجبال، بينما مشاريع وإنجازات وزارة النقل تمشي الهوينا وكأنها سلحفاة بلغت من العمر عتيًا.

كل الأمنيات بأن ثقتنا في وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لن تشوبها شائبة، وخصوصًا ما لمسناه من صدق نوايا بعد تأكيد معالي المهندس سعيد بن حمود المعولي وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في بيان وزارته أمام مجلس الشورى أواخر شهر مارس الماضي، بأنه سيتم طرح مناقصة كبيرة لإعادة تأهيل طريق الباطنة من بركاء إلى خطمة ملاحة.

إننا إذ نثمن طريقة الوزارة في استخدام مصفوفة الأولويات لتنفيذ المشاريع؛ مشاريع وطنية؛ مشاريع تهم المحافظات، ومشاريع تهم الولايات؛ فلن نتحدث عن الأهمية الكبيرة لطريق الباطنة العام، فالجميع يدرك هذا الأمر، ولكن ما نريد الإشارة إليه أن هذا الطريق يجب أن يكون على رأس كل الأولويات، وأن يعاد تأهيله وتصميمه وهندسته ليكون طريقاً للمستقبل البعيد، ليس لليوم وغدًا فقط.

كل أمنياتنا بأن يعاد تأهيل طريق الباطنة العام بأسرع وقت ممكن، وتجاوز كل ما من شأنه تأخير هذا العمل، على أن يكون بمسارات متعددة وواسعة، وليس طريقا ضيقا بحارتين فقط، وأن تستبدل كل الدوارات القديمة والتحويلات بجسور علوية، وأن تستبدل جميع التقاطعات القديمة على مداخل القرى بأنفاق للسيارات، وأن تكون الأكتاف الجانبية للطريق بمواصفات عالية، وأن يتم إنشاء مداخل ومخارج بمستوى لائق تربط بين الشارع العام والشوارع الفرعية؛ وأن تحدد نقاط لسيارات الأجرة على طول الخط، وأن تكون العبارات الصندوقية الخاصة بتصريف مياه الأمطار واسعة لتواكب التغيرات المناخية الحالية، على أن يتم إنشاء جسور للوديان الكبيرة لتفادي توقف حركة السير أثناء هطول الأمطار.