التسول الحديث.. وعقوبته في القانون

 

حمود بن سيف السلماني

 

انتشرت ظاهرة التسول في الفترة الأخيرة بشكل كبير جدًا، وذلك بسبب الأوضاع التي حصلت في العالم كله، وبما إن التسول من الأمور المجرمة قانونًا في بلدان العالم، إلا أنها تنتشر بشكل كبير جدًا وبأشكال مختلفة جدًا وبصور متنوعة من أجل الحصول على الأموال بكل سهولة ويسر.

وحيث إن التسوّل موجود منذ فترة ليست بالقريبة، فقد ظهرت بسبب حالة المجتمع الذي تسوده الطبقات سابقًا، حيث يلجأ المتسول إلى طلب يد العون والمال من أجل العيش وسد حاجته من قوت يومه، هذا الذي كان يحدث سابقًا. أما في الوقت الحالي، فإن صور التسول تغيرت كثيرًا فأصبحت مهنة يمتهنها الكثيرون من الأشخاص ليس من أجل سد لقمة العيش وإنما من أجل كسب المبالغ واعتبارها وظيفة يكسب فيها الكثير من الأموال والتي يمكن له الحصول عليها إذا عمل في أي عمل بدني، أو عقلي.

قرأت بعض المقالات التي كُتبت في الشبكة العنكبوتية عن قيام بعض الأشخاص بالتسول، والغريب في الأمر أنه بعد موتهم تم اكتشاف أن لديهم أرصدة في البنوك تقدر بملايين الريالات، حيث ذُكر وجود متسولة كبيرة في السن- في إحدى الدول العربية- لديها عقارات وأموال في البنوك، وأن قيمة ما تمتلك من أموال وعقارات كافٍ لأن تعيش في رغد وسعادة وحياة الملوك، إلا أنها رغبت في تكديس الأموال دون الاستفادة منها في حياتها الفانية وكل ذلك تم تجميعه من التسول، والقصص كثيرة التي تم الاطلاع عليها عبر الشبكة العنكبوتية.

ومن المصادفات التي شاهدتها على أرض الواقع هو عندما كنت أقود المركبة راجعًا إلى مكتبي استوقفني شاب في مقتبل العمر وأظنه في الثلاثينات من عمره، وطلب مني توصيله إلى نقطة معينة من الطريق، فوافقت على ذلك وسألته عن سبب ذلك، فذكر أن أمه وأخته قد خرجتا من المستشفى وأنه لايملك أي مبلغ لتوصيلهم إلى المنزل، وأنهم يسكنون في بلدة جبلية تبعد عن مسقط مسافة طويلة وأنه ذاهب لإحضار بعض الأموال وأخذهم إلى المنزل، فصدقته لأنَّ العاطفة أخذتني في ذلك الوقت، وتذكرت أن الحسنة بعشرة أمثالها.

وبعدها بفترة ليست بالبعيدة، وبالمصادفة شاهدت ذات الشخص في ذات المكان يستوقفني فوقفت له، وطلب مني إيصاله إلى نفس المكان الذي طلبه مني في المرة السابقة، وبادرني بسرد ذات القصة السابقة، بعدها طلبت منه النزول من المركبة كوني لست متجهاً إلى المكان الذي يريدُ، ووقتها عرفت أنه نوع من أنواع التسول بطريقة جديدة ومبتكرة، يتم ذكر العائلة كغطاء لذلك الفعل الشنيع.

كما إن الإسلام منع التسول وذم المتسولين إلا لحاجة محتمة كالفقر الشديد، أما إذا كان التسول للاستكثار والغنى فقد حرمه الإسلام لما فيه من أضرار على المجتمع واستغلال للناس وأخذ أموالهم بغير وجه حق، وهذا يعتبر من قبيل الإثراء بلاسبب.

ويقول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عن الذي يتسول ومعه ما يكفيه من المال: (إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ).

أما نهر السائل وزجره ومُعاملته بتهكم وقسوة فقد منعه الإسلام حتى مع معرفة حال السائل، قال الله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ).

ومن الطرق المبتكرة والحديثة حاليًا في التسول هي إحضار طفل مع المتسول لاستعطاف الناس والحصول على أموالهم عن طريق العاطفة، وذلك بحجة أن الطفل مريض أو أنه لم يأكل منذ فترة طويلة، ويقوم المتسول بالتمثيل بالبكاء حتى يحصل على أموال الناس بطريقة غير قانونية، وكثيرًا ما يأتي المتسولون إلى المساجد لطلب الأموال، وذلك بعد الانتهاء من الصلاة المكتوبة، بعضهم من يدعي صدور حكم قضائي عليه، وبعضهم يدعي المرض، وبعضهم عليهم متراكمات مالية من الكهرباء والمياه ولا يستطيع تحمل تكاليف تلك الفواتير، وغيرها من الطرق الاحتيالية والتي يصدقها الأغلبية.

ولا ننكر الأوضاع التي تحل ببعض الأشخاص وحاجتهم إلى المساعدة في الحصول على لقمة العيش، والتي يضطر بعضهم إلى سؤال الآخرين بطلب المساعدة، ولكن بسبب التصرفات التي يقوم بها البعض من أجل الاكتساب فقط من التسول، قد فقد الناس الثقة بكل من يطلب المساعدة سواء كان صادقًا في ذلك من عدمه.

ولا ننكر الجهود العظيمة التي تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية في تلبية احتياجات المحتاجين وتوفير الرواتب الشهرية التي تعينهم على تجاوز عقبات الحياة اليومية، وإن كانت تلك المبالغ لا تغطي كافة الاحتياجات إلا أنها تساعد على تغطية الكثير من الالتزامات اليومية، ولا ننسى جهود الجمعيات الخيرية في تقديم المساعدات والخدمات وبعض الأموال للمعسرين وغير القادرين على تلبية احتياجاتهم، طبعًا كل ذلك في الأطر القانونية المحدد لتلك المساعدات.

والمشرع العماني قد اعتبر التسول جريمة يُعاقب عليها القانون وتصل العقوبة للسجن لمدة لاتزيد على سنة والغرامة لا تزيد على 100 ريال عماني، وتضاعف العقوبة في حالة التكرار، وذلك ما نصت عليه المواد (297) و(298) من قانون الجزاء العماني، والتي تعاقب كذلك على استخدام الطفل في جريمة التسول.

وفي الختام يجب علينا جميعًا التكاتف والتآزر لوقف مثل هذه التصرفات التي تشوه من سمعة المجتمع والذي يرفض هذه التصرفات نهائيًا، ويجب على كل شخص أن يطمئن على أحوال جاره ويسأل عن أحواله وليتفقده وأسرته، لأن البيوت أسرار، ونادرًا جدًا أن تجد من يخرج من بيته ليسأل الناس عن حاجاته.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك