اضحك بلا ثمن

 

وداد الإسطنبولي

 

ابتسمت.. في الزحام الشديد بشارع السعادة والسيارة تمشي رويدًا رويدًا، ونسمات الهواء تُدغدغ وجهي الذي نصفه خارج النافذة، وقطرات الرذاذ تلعق بشرتي غير مكترثة بتبليلها لملابسي. أنظر إلى الشارع المزدحم بصورة مختلفة عن سابق العهد، سابقا كنت أتأفف من الانتظار الطويل وتجدني أحدق للإشارة متى ستتحول للون الأخضر، ولكن هذه المرة جمال الطبيعة ونسمات الهواء العليل التي أتنفس منها رائحة التراب العميق من جوف الأرض أشعرني بمتعة الانتظار، أدقق في أرقام سيارات زائري السلطنة من مختلف الأقطار، وجودهم هذا الموسم السياحي تزامن مع المنخفضات الجوية، احتضنت أمطار الصيف، ففجرت عيونا وألبست الأرض بساطا أخضر زاهيا فكانت شرارة هذا الاحتضان خير وبركة على البلاد والعباد.

من جانب آخر كنت أشاغب طفلا بنظراتي، وألوِّح له بيدي وهو يبادلني بضحكة خجولة، يظهر وجهه أحيانًا ويخفي جزءا منه أحيانًا؛ ظنًّا منه أني ألعب معه لعبة "الدّي". لكن للأسف تحولت الإشارة للون الأخضر فقعت لقاءً طفوليا تكون لبرهة، فابتسمت له ملوحة له بيدي مرددة مع نفسي ما أجمل براءة الطفولة! وابتسم.

ابتسمت

وقفتُ مليًا أحدق بتلك الكلمات الذهبية وكأني أشاهدها لأول مرة، قد عدت قراءتها مرارًا وتكرارًا آنفًا.

الفكرة صائبة والقرار في تنفيذه أمر جلي في بناء هذا الصرح الذي يتجمع فيه كل شباب ظفار من كل ضواحيها "مجمع السلطان قابوس الثقافي والرياضي" ابتهج ويتسع صدري رحابة من بداية وضع قدمي اليمنى حين دخولي إلى السعي في تجوالي عبر ممراته وقاعاته، النظر إليه يبشر بمستقبل مستدام. أتوسط ساحته وأراه أيضًا بعين الاختلاف هذا العام فهو يرِج ويعج ويضم، فابتسم.

ابتسمت

ظلت هذه الصورة عالقة في ذهني وأنا أجلس على مقعد الطائرة التي ستقلع بعد دقائق مُحلقة بي بجناحيها إلى مسقط رأسي صلالة، وأنا أحمل حلما جميلا ربما ليس للآخرين مهمًا ولكنه بالنسبة لي بالغ الأهمية فرحتي الأولى التي جعلتني طول الوقت وأنا أثقل شفتاي بالابتسام، هناك نوع من السحر الجميل هذا العام.. أشعر برقصتي الخاصة على أنغام موسيقى ساحرة أخذت بطرف غلاف الكتاب الجماعي وانحنيت ليشاطرني رقصة "الفالس "على موسيقى رزيم الكمنجات العابرة تناجي الحنين فابتسم.

ابتسمت

لم أجد شيئًا أقوم به فأخذت أعبث بأفكاري وأشاكسها، وهي تحاول جاهدة أن تتجاهلني. انتصرت عليها أخيرًا، فدارت بيننا حوارات وتساؤلات من ضمنها: لماذا لا نبتسم؟ فهي صدقة في النهاية، نُؤجر عليها، وكم أشعر بالحمق عندما نتغلى أحيانًا عن أشياء لا نشتريها؛ بل هي هبة من الله، ونحن نتحكرها ونبحث عنها بالمال والمبالغ فابتسم.

__________________________________

 

الدّي: مرح يتعامل به الآباء مع أطفالهم الصغار.

الفالس: رقصة ثنائية تتصف بالدوران والانزلاق السريع وتؤدى بأسلوب ثلاث خطوات وخطوتين.

الأكثر قراءة