ناصر بن سلطان العموري
تطل علينا بين الفينة والأخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة دعوات مشبوهة من هنا وهناك هدفها الظاهري- كما أعلن عنه- يختلف عن الهدف الخفي الذي يجهله الكثيرون ألا وهي الاعتصامات أو كما يطلق عليها بالمسيرات السلمية للمطالبة ببعض الحقوق كما يروج لها، ولا أعتقد أنها سوف تكون سليمة إن تغلغل إليها من يسعون الاصطياد في الماء العكر وتهميش ما تم بنيانه من أجل صالح هذا الوطن من عمر النهضة المباركة أو ما تلتها من النهضة المتجددة.
وتختلف حرية التعبير في حب الوطن والغيرة عليه من شخص لآخر، لا سيما في هذا العصر المضطرب، عصر شظف العيش وما يصاحبه من غلاء عالمي للأسعار تؤدي لمصاريف تتكالب على المواطن ما أنزل بها من سلطان؛ بل وصل الحال أنه يخيل للبعض أن الراتب مرفوع عنه البركة، وأصبح البعض يقارن بين الحقبة السابقة حقبة بناء الوطن وإرساء الدعائم الخالية من الضرائب وقتها، وبين الحقبة الحالية حقبة الانطلاق للمستقبل ومواجهة التحديات، في إطار ما يشهده العالم من متغيرات اقتصادية وأزمات مالية أثرت على العالم ككل وليس فقط بلدنا، والتي أدت بطبيعة الحال لتطبيق الضرائب من باب "مكره أخاك لا بطل"، وهو ما زاد الاستياء لدى قطاعات عريضة من المواطنين؛ كونه لم يعتد عليها مع أنها مُطبَّقة منذ فترة بدول الخليج وبنسب تفوق ما لدينا بأضعاف، وكذلك مطبقة في الغرب منذ سنين طويلة، وهي مرتبطة بجودة الخدمات لديهم؛ كونهم يدفعون ليجدوا مقابل ذلك خدمات تقدم لهم ذات جودة خصوصا في القطاعات الخدمية.
وإذا تكلمنا بنوع من الصراحة، فالكل يحلم بالوطن المثالي الذي لا وجود له سوى في مخيلة بعض الفلاسفة الذين يتكلمون أكثر مما يعملون.. صحيح أن بلدنا ليس بمنأى عن العالم ويتأثر بما يتأثر به جراء الأزمات المالية والاقتصادية؛ بل وحتى السياسية، لكن يجب النظر هنا من قبل الحكومة لبعض الفئات- ممن يُعتبرون الحلقة الأضعف ويطالهم هذا التأثر أكثر من غيرهم- بعين من العطف والحنو الرعاية والدعم، ومنهم فئة الضمان الاجتماعي التي أصبح التفكير في زيادة رواتبهم الزهيدة ضرورة ملحة يفرضها الغلاء الفاحش الذي يضرب العالم، والذي لا يُبْقِي وَلَا يَذَرُ من الراتب شيئًا، وكذلك المتقاعدون الذين لم تسعفهم مكافأة نهاية الخدمة ورواتبهم التقاعدية المتواضعة لتحسين وضعهم. وأيضًا المسرحون من أعمالهم، وهم في ازدياد خلال الفترة الأخيرة والحجة لدى الشركات تتمثل في الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، فقد خلفت هذه الأزمات والجائحة التزامات تنوء عن حملها الجبال. أضف إلى ذلك أولئك ممن لم تطالهم الترقيات منذ سنوات عديدة، وهم على حالهم، يواجهون صعوبة الحياة التي أصبحت مادية أكثر من أي وقت مضى بنفس الراتب، دون زيادة تُبهج النفس، وعليهم أن يديروا مصروفاتهم بتقنين شديد. وأيضًا أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال ممن كانوا أكثر من تأثروا أيام أزمة كورونا؛ بل إن منهم من دفع الثمن غاليًا خلف القضبان.
مخطئ من يظن أنه يستطيع تكميم الأفواه الجائعة المتأزمة التي تعاني أشد المعاناة؛ فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت متنفسًا وملاذًا للبعض منهم للتفريغ مما يعانيه دون التفكير في العواقب القانونية، وكم رأينا بأم العين كيف أن الباعة المتجولين على الطرق في ازدياد ويسعون لزيادة دخلهم من الكسب الحلال، بعدما ضاق بهم الحال. وقد صدق خامس الخلفاء الراشدين عمر عبد العزيز حين قال: "الأفواه الجائعة أولى بالصدقات من بيت الله الحرام".
ومن باب لا لمصادرة الفكر والتي أرساها السلطان الراحل- طيب الله ثراه- عند زيارته لمنبر العلم والثقافة جامعة السلطان قابوس، والتي جدد التأكيد عليها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعهظم- حفظه الله ورعاه- ممثلة في حرية التعبير في إحدى خطبه، فإنني أحث الجهات المعنية الاستماع إلى مطالب المواطنين بأذان صاغية واعية من باب الحوار مع الطرف الآخر، بشكل بنّاء؛ لصالح رفعة الوطن ورقيه، وفي المقابل على المواطن الواعي أن يصم أذنيه عن جميع الأبواق الناعقة التي لا هدف لها سوى استغلال الوضع الراهن لأغراض دنيئة مشبوهة... حفظ الله عمان وشعبها من كل سوءٍ ومكروهٍ.