مؤيد الزعبي
هل جربت من قبل تقنية الواقع الافتراضي باستخدام نظارات VR؟، وهل جربت من قبل أن تستخدم الكاميرا الخاصة بجوالك لتقوم بتصوير صورة مع إضافة بعض تأثيرات الواقع المعزز AR؟، لا تقل لي إنك لم تجربها حتى الآن!!، وبأنك لم تخطو الخطوة الأولى من تجارب المُستقبل؟، للأسف لقد فاتك الكثير عزيزي القارئ فالواقع الافتراضي سيأخذك لعالم آخر وأنت جالس مكانك، والواقع المُعزز سيأتي بعالم آخر لعالمك، وتخيل أن يندمج الاثنان مع بعضهما البعض ويخلقا لنا عالماً افتراضيا وكأنه واقع، هذا هو الميتافيرس بصورة مبسطة جدًا فدعنا ندخل إليه ونتعرف على مكوناته.
من خلال تجربة الميتافيرس ستنقلك التكنولوجيا لعوالم افتراضية لم تخطر على بالك، وسيتجسد أمامك أشخاص لم تكن تحلم بمُقابلتهم وتحدثهم وكأنهم أمامك، وسيتمثل أمامك مدن وعوالم وتتجول بداخلها وتعيش تجاربها بكامل تفاصيلها، وتحدث أشخاصاً في هذه العوالم وتخاطبهم وتتعرف عليهم وتشكل صداقات وعلاقات وأنت أيضًا تجلس مكانك، وسيصبح بمقدورك أن تتناول الطعام مع أصدقائك وكل شخص منكم في مكان مختلف، وأنا هنا لا أحدثك عن أن الميتافيرس سوف يشعرك بالشبع، ولكن سيُصور لك الطعام الحقيقي الذي تتناوله وكأنه مقدم على طاولة في أفخر المطاعم، ومع تطور التقنيات سيُصبح بإمكانك أن تشتم رائحة طعامهم وعطورهم وحتى أن تشعر بلمساتهم، نعم صديقي فالروبوتات الحسية ستندمج بهذه التقنيات وستنقل لك الأحاسيس والروائح واللمسات ولن تكتفي بنقل الصورة والصوت، بل ستنقل لك الأحاسيس والمشاعر.
هذه التجربة ستُغير عوالمنا كثيرًا، وستجعلنا نلتزم بيوتنا فلا حاجة أن نتفاعل مع البيئة الخارجية طالما يمكننا تصويرها في عوالمنا الداخلية، وستجعلنا نتواصل افتراضيًا بأحاسيس ومشاعر وتفاصيل تبدو وكأنها واقعية وحقيقية، وستجعلنا نعيش تجارب سياحية ومغامرات شيقة دون أن نُحرك ساكنًا، وستجعلنا نجلس مع أصدقاء فقدناهم منذ زمن، لا بل وستجعلنا نعيش الوهم وتسترجع لنا أشخاصاً قد فارقوا الحياة فتصورهم لنا وكأنهم حقيقة، فتخيل صديقي القارئ أن يتجسد أمامك صديق أو قريب أو حتى حبيب فارق الحياة وتعيش معه تجارب جديدة وكأنه حقيقة، ولك أن تتخيل كيف يمكن استخدام البيانات المخزنة عن كل شخص لتسترجع لك كل ذكرياتك وكل لحظاتك وتعيش مع وهم يبدو لك حقيقة.
بقدر ما هناك مشاكل سواء تقنية أو حتى اجتماعية أو إنسانية تقف حاجزًا أمام تجربة الميتافيرس إلا أنها تجربة ستغير الكثير من القواعد، ستجعل للتواصل معاني وتقنيات وأبعادا مختلفة كثيرًا، ستجعلك تحقق أحلامك بأن تتواصل مع بشر في أقصى الأرض ومغربها وأنت في بيتك وتواصلك يكون معهم وكأنه فعلي، ستجعلك تحقق حلمك بأن تركب أفخم السيارات وتزور أجمل المدن وتعيش التجربة كاملة وكأنها حقيقة، ستجعلك تقوم بمهام وظيفية معقدة من خلف نظاراتك وكل أوامرك تتناقلها الشبكات لتصنع عوالم موازية تدور فيها الحياة بأكملها، ولهذا وجدنا خلال الفترة الماضية ظهور ما يُعرف ببيع مساحات في الميتافيرس، وقد تقول في نفسك، وهل أنا أحد المجانين لأشتري عقارا أو أرضا في عالم افتراضي؟؛ بل على العكس ستكون من الأذكياء لو قمت بذلك، فربما تفتتح أول مطعم عربي في عالم الميتافيرس، أو تفتتح مدرسة أو شركة أو حتى محلا تجاريا تبيع عليه منتجاتك، أو ربما يكون لك نصيب في أن تفتح منتجعا صحيا وناديا رياضيا أو حتى فندقا، ولا استبعد أن يقوم أحدهم ببناء مدينة بأكملها تصبح ملكه وتحت تصرفه.
تخيل معي أن تشتري مساحة في عالم الميتافيرس وتبني عليها فندقك الخاص، ومع مرور الوقت وتطور هذه التقنية وانتشارها بشكل واسع ربما تصبح من أصحاب العلامات التجارية الكبيرة وتصبح من الأغنياء وتدخل قائمة فوربس، وأنا هنا أتكلم بكل جدية فهذا العالم الموازي سيتطور كثيرًا وسيُدخل علينا فرصًا كبيرة قد نحكي عنها ونتغنى بها في قادم السنوات.
الميتافيرس سيبنى عليه عالم أكبر بكثير من عالمنا وبالتالي سيفتح لنا الباب لفرص كثيرة وعديدة، فهو عالم يسبح في الفضاء الإلكتروني، وعند الحديث عن الفضاء الإلكتروني فاعلم أنك أمام مساحة إبداعية قد تفوق تخيلاتك، وسنجد أفكارًا جنونية تطبق عليه، وصحيح أنه عالم افتراضي ولكن لوهلة ستشعر بأنه حقيقي بل أجمل من الحقيقي، وهذا ما أجده خطيرًا رغم إعجابي الشديد بتطور هذه التقنيات.
الخطير في الأمر أنَّ مثل هذه التقنية ستسلب منا الكثير من إنسانيتنا وتضيف لنا الكثير من قدرات الآلات والروبوتات والشبكات؛ حينها سيختلط الخيال بالواقع ويصبح من الصعب التفريق بينهما، وسيأتي جيل قادم سيجد أنَّ هذه هي الحياة شكلها ومضمونها، وليس لدي مشكلة في هذا فنحن سنعتاد عليه رويدًا رويدًا، ولكن ما أخاف منه أن يعايروننا عندما نخبرهم أنَّ مساحة في الميتافيرس تباع ببضع دولارات، حينها سيقولون لنا لماذا لم تشتروا لكنا اليوم من الأغنياء.