هل التحول من القضاء المزدوج للقضاء الموحد يخدم العدالة؟ (2-1)

عبدالمجيد بن يحيى الراشدي *

صدر منذ فترة مرسوم لإعادة تنظيم مرفق القضاء ومن أهم ما جاء فيه دمج القضاء الإداري مع القضاء العادي، وأصبحت السلطنة منذ صدور المرسوم تُطبق نظام القضاء الموحد، وهو ما يقصد به وجود جهة قضائية واحدة في الدولة يشمل اختصاصها النظر في كل المنازعات بكافة أنواعها، سواء كانت بين الأفراد ذاتهم أو بين الأفراد وجهات الإدارة الحكومية، وسواء تعلقت بأمور إدارية أو مدنية أو تجارية.

وقبل صدور المرسوم كانت السلطنة تتبع القضاء المزدوج وهو ما يقصد وجود جهتين قضائيتين مستقلتين، تتولى إحداهما النظر في المنازعات الإدارية بين الجهات الإدارية الحكومية والأفراد، وتسمى بالقضاء الإداري، وتعد فرنسا مهد نظام القضاء المزدوج بعد ما توسعت في شتى أرجاء الأرض في حقبة سابقة من التاريخ وفيها نشأ وتطور، في حين تعتبر جمهورية مصر العربية أول الدول العربية التي اعتنقت هذا النظام وأسهم القضاء المصري منذ أكثر من سبعين عاماً بشكل فاعل في إيجاد الحلول لكثير من القضايا المتعلقة بنشاط الإدارة ويعد مجلس الدولة المصري المرجع الأساسي للقضاء الإداري في الوطن العربي، وأتبعتها عدة دول منها السلطنة قبل أن تتراجع بصدور المرسوم الجديد.

والعادة أن تنقل الدول من النظام الموحد إلى المزدوج لكون وجود الأخير كقضاء مستقل متخصص وذلك بسبب عدم قدرة نظام القضاء الموحد في معظم الدول التي تطبقه على حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الإدارة وهو ما دعا الفقه والقضاء إلى المطالبة بإنشاء قضاء إداري مستقل إلى جانب القضاء العادي والانتقال من القضاء الموحد إلى المزدوج، وهذا بدوره يساعد الإدارة على القيام بأعمالها لغاية خدمة الصالح العام، وضمان حقوق الأفراد وحرياتهم على الوجه الأكمل بوجود جهة قضائية مستقلة تراقب أعمالها.

ولكل نظام مميزات عددها وأسهب فيها مؤيدوه وعيوب سطرها معارضو كل نظام، وأبرز ما سطر من مميزات نظام القضاء الموحد هي :

1-  أهم ما يمتاز به هذا النظام في نظر مؤيديه أنه يحقق مبدأ سيادة القانون على أكمل وجه، لأنَّ جميع الدعاوى ستخضع لقواعد قانونية واحدة، وأن المحاكم ستنظر في جميع المنازعات بأشكالها المختلفة المدنية والإدارية على حد سواء تحت منصة واحدة مما يعد تطبيقا لمبدأ المشروعية، كما أن الإدارة والأفراد كذلك سيخضعون لذات المحاكم دون تفرقة بينهم، وهو ما يعزز فكرة حماية الحقوق والحريات الفردية لعدم تمييز الإدارة بمحاكم مختلفة وفق قواعد مختلفة كذلك.

2-  وجود هيئة قضائية واحدة في الدولة تفصل في مختلف الدعاوى يزيل الإشكالات المتعلقة بتنازع الاختصاص وتعارض الأحكام، كما هو عليه الحال في النظام القضائي المزدوج .

3-  وجود جهة قضائية واحدة سيوفر مصاريف إنشاء محاكم إضافية للقضاء الإداري بإدارة وموازنة مستقلة.

وكان الرد على النقطة الأولى فإن سيادة القانون تكون متوفرة بقوة وحسن صياغة القوانين ومتابعة ورقابة تنفيذها أما عن النقطة الثانية والثالثة فإن المهمة الأولى لوجود المحاكم هي إرساء العدالة وهو بدوره ما يحقق الأمان للجميع ويسهل عملية بناء الدولة وتطورها في كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية وجميع نواحي الحياة وهو الأمر الذي لا يمكن أن يقاس بالمال، والتوفير والترشيد في المصاريف له طرق أخرى كثيرة يمكن أن تسلكها الدولة لتحقيقه.

أما عن أبرز ما قيل من عيوب هذا النظام فيتلخص في أنه في عالمنا المعاصر تعددت وتشعبت مهام الدولة في أداء دورها لتحقيق المصالح العامة وتعددت كذلك القوانين التي تنظم تلك المصالح والحقوق وهو ما يستدعي الاعتراف بضرورة أن يكون للإدارة وضع قانوني خاص يمكنها من أداء دورها على أحسن صورة وهو ما يستدعي في المقابل وجود قضاء مستقل متخصص لرقابة أعمالها وتطابقها مع القانون.

* محامٍ ومُحكِّم

تعليق عبر الفيس بوك