لا تجهض صوتك وابتكر التنفيذ

فاطمة الحارثية

رُبما يكون سبب تكرار البشر للتجارب، رغم درايتهم بفشلها أو عدم جدواها، هو افتقار المرسل عنها فكريًّا للجانب العاطفي لتكامل التبليغ؛ مما يؤثر كثيرا في القرار الذي يتخذه الناس، فيحصل التكرار من أجل فهم جانب المشاعر من التجربة، والمثل يقول: "لن تتعلم حتى تتألم".

وهذا يبرهن لمن يشككون في الراغبين في إعادة تجارب غيرهم القديمة أو الفاشلة، أنهم بشر أسوياء وطبيعيون، يبحثون عن الحقيقة كاملة، ويأملون أنْ يأتوا بنتيجة مختلفة، وطبعا هذا يقودنا إلى حقيقة اختلاف أثر المعرفة على الناس، بسبب التفرد الذي يزدان به كل فردٍ عن الآخر في رؤيته واستيعابه للأشياء، فنحن لا نتشارك العين العقلية ولا العاطفية ولا الوجودية ذاتها، ولا أحد يستطيع أن يرى بعين الآخر.

وفي حديث جانبي مع بعض المعارف، كان لتأثير المعتقد فيما يُفرض من حولنا النصيب الأكبر في وقتنا؛ فنجد أثره من الأسرة ممتدا من تلك الخلية المجتمعية الصغيرة، إلى كيان المجتمع اجتماعيا واقتصاديا، وإن أسلمنا لتأثير الأسرة على دعائم الوجود، نجد أن التعليم لا يُغير عدا القليل من حياتنا اليومية؛ فهيمنة الكبار والمعتقدات الموروثة، ممن يعتقدون أنهم جربوا ورأوا واختبروا أو عاشوا أكثر منا -أي جماعة نحن نعلم- يؤثر سلبا على حيوية البيئة وتجددها وأيضا تنوع مصادر اكتساب مجالات الخبرة، وربما العكس صحيح أيضا، حرية الخلية المجتمعية قد تفتح لنا آفاقا جديدة للمغامرة والتجربة، والنأي بأنفسنا عن الرتابة والخوف والتردد، والأهم هو التقليد الأعمى والمقارنة السلبية، ومن أمثلة قولي ما نراه من هيمنة بعض الآباء على الأبناء وفرض رؤاهم عليهم؛ سواء في قرار دراستهم أو وظائفهم أو زواجهم أو حتى أسماء أبنائهم، ومثال آخر: هيمنة بعض المسؤولية في صناعة القرار والمصير على المؤسسة التي كُلفوا عليها، وهذا يُعد تهديدا واضحا لاستدامة الأسرة والاقتصاد. قد يقول البعض لا يجب أن نسمح لتلك النماذج أن تؤثر، أو هي فئة قليلة، أو أنني أناقش جانبا دون الآخر، لكن أقول للمتقصين فعليا أنهم الغالب علينا، والكثير منا لا يرغب بالاعتراف لأن وجودهم مريح لهم من أجل إلقاء اللوم وتحمل مسؤولية الأخطاء، أي أخطاءهم وأخطاء غيرهم، ولا أبالغ إن قلت لكم إنني رأيت بعض الأسر التي تتخذ من أحد الأبناء صرحا للهيمنة ليكون مرتع للوم و"أنت السبب في كل هذا السوء"، وتحميله مسؤولية كل الأخطاء والقصور، ويُسمون هؤلاء في المؤسسات بـ"كبش الفداء".

أعتقد أنكم بهذا قد لاحظتم أنني جمعت بين الأسرة والمؤسسة، وهذا متعمد في مقالي هذا، فنحن حيث ما نكون نحمل معنا أصل الخلية، ولا يخرج عن الواقع إلا من رحم ربي، ولا يخفى عليكم ما يحصل لكل من يأتي بالجديد أو يُحاول أن يدعى إلى تحمل المسؤولية. انظر من حولك وذاتك قبلها، كم من أمر تحاول أن لا تأتيه أو كم من فكرة تغتالها خوفا من أن يُشار إليك بتحمُّل تبعاتها أو تنفيذها، نحتاج إلى مجتمع يعي أنَّ الكمال هو الانتهاء، والأجمل هو الاختلاف ولا بأس من تجربة الأمور والتحدث عن المحسنات؛ فهذا لا يُقلل من شأن المسؤول سواء في الأسرة أو المؤسسة، ولا بأس من الخطأ لأننا معا سوف نحسن الأمور ونصححها.

----------------

سمو...،

لا تُجهض فكرك ولا حلمك ولا كلمتك خوفا من أن يُشار إليك إذا أصبحت الأمور على غير المراد، ربما ما تحتاج إليه شريك صادق يعتني بنفسه وبك. اقبل الآخر فكرا، والمكان بيئة وابتكر التنفيذ.