تحت زخات المطر

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

ينتابنا الحنين للماضي لحكايات الطفولة الجميلة، ونغُوص في ذكريات أيامنا الجميلة غير المتكلفة البسيطة الطبيعية المعتادة، الشوق لكل التفاصيل.. لمنزلنا الكبير، لوجه جدتي وجدي، لشوارع "أم الجعاريف"، وسككها الطويلة، ورؤية جارنا المرحوم وهو على حِمارته، وخوفنا من العم نصيب جارنا القريب، ومسافات الحي التي كُنا نراها كبيرة، ولون البحر وزرقته، وأحلامنا الوردية و"ريمة وعفيفة" بنات عمَّاتي اللتين في نفس عمري، فقد كُنا الثلاثي المرح بوقت كنَّا نتصدَّر فيه الجميع؛ حيث اشترى والدي كاميرا فيديو، وكان كل من في الحي يأتي لرؤيتها، وكنَّا نصوِّر حفلات أعياد الميلاد والمسرحيات التي نؤلفها ونُخرِجها ونمثلها، إنها أيام جميلة وذكريات عذبة، وليالٍ في العمر قد ولَّت وذهبتْ عندما كانتْ القلوب نقية، وكنَّا أطفالا لا نعي شيئًا إلا أن نعيش يومنا بحب، وعندما ينزل المطر نُخرِج المظلات، ونجلس تحت المطر، إلا أنَّ صوت أمي كان يناديني: "ادخلي سارة.. ستمرضين".

كبرنا، وكان الشغف المتواصل يتدفَّق كشلال يحمل بياض الثلج في طياته يسكن زوايا قلوبنا البيضاء، ونُحلق كحمامات السلام ويكبر الشغف فينا، ونتأمَّل تفاصيل السماء عندما تهطل بغزارة.. قالت أم زكريا: نحن أصلا في الجنة، وهذه الدنيا مُجرد محطة عبور، وسنعود لمكاننا الطبيعي، وقالت أيضًا: كم من الأجور التي نتحصَّلها والناس منشغلة بالمطر، ونحن نقبع هنا ونستمع لكلام الله ولسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كم ذلك الإحساس جميل كزخات المطر المتساقطة على وجهي في يوم يبعث في طياته السعادة وتباشير الفرح، كنت أفكر كيف أنَّنا نفرح كثيرا عندما نصل إلى صلالة؛ حيث الجو الجميل والمطر المُتساقط وحبات الرذاذ، أو أي دولة باردة، وكيف نرتاح كثيرا لذلك الجو، ونتمنى لو أنَّنا لا نفارق ذلك المكان، هكذا سنكون فرحين في الجنة وسعيدين كثيراً، وكم هو الفوز الكبير.

لقد رأيت منظر الشيخ العيسري وهو يودِّع ابنه المغفور له -بإذن الله- بلج، وتلك الخطبة العظيمة التي ألقاها وهو يستحضر حبَّ الله وأننا جميعاً راحلون، ولا نعلم الوقت المحدد لنا. إن أعمارنا في تناقص، ووجب علينا التفكر والانتباه والاهتمام بأنفسنا جيداً؛ فلن يهتم الآخرون بنا أبدا.

ومع تساقط المطر، نشعر بالأمان وأننا محظوظون لدرجة أنَّ الله قدَّر لنا أنْ نعيش هذه الأيام السعيدة الممطرة والغائمة والمملوءة بذكر الله، نتفكر في حال أيامنا التي تمضِي بنا ونحن مُنشغلون في زوايا الدنيا وتفاصيلها، وغارقون في وديان الحياة البائسة.

عندما يسقُط المطر، نتذكَّر من رحلوا وأصبحوا ذكريات؛ فقد كانوا يسعدون كثيرا معنا بهذا المطر، وكانت لهم فرحة وانشراح، وتمني أنْ يكون القادم أجمل.. رحل من رحل، وترك ذكراه الطيبة بين أهله ومحبيه، ودعوات أحبابه له بالرحمة والمغفرة والسلام الأبدي.. رحل الذين نحبهم ونتمنى أن يعيشوا معنا أكثر، لكنَّ العِوَض الجميل دائماً عند رب العباد، هو عالم بالغيب، وما نحن إلا بشر لا نعلم إلا ما علَّمنا إياه.

في محافظة ظفار، ومع تساقط حبات المطر، نسمع أخبارًا غير طيبة وأسبابها التهوُّر من بعض الأسر غير المبالين بحياتهم وحياة أبنائهم وأهاليهم، وكل من يعز عليهم؛ لذا هناك رسالة عاجلة لهم ولكل مرتادي الأماكن السياحية بضرورة الانتباه والتروِّي وعدم المجازفة وتعريض حياتهم وحياة الآخرين للخطر وللموت كما حدث ويحدث ونسمعه كل يوم؛ فالذهاب إلى الأماكن الخطيرة؛ مثل: المنحدرات والبحر والسباحة في الأودية والعيون بشكل غير مدروس، يُعرضكم للمساءلة القانونية، والرجاء كل الرجاء عدم الاستهتار؛ فالمطر سيأتي مرة أخرى، ولكن كل من جازف بحياته قد يموت.