الهوية الوطنية والتكنولوجيا

أصيلة الحبسية

لا يختلف اثنان حول أنَّ الهوية الوطنية هي من أهم السمات والدعائم المميزة لأي مجتمع؛ فهي تجسد الآمال والرؤى المستقبلية للمجتمعات وتبرز معالم النمو والتقدم في سلوكيات الأفراد وإنجازاتهم في المجالات المختلفة، وتنطوي أسس الهوية الوطنية على المبادئ والقيم التي تدفع الأفراد إلى تحقيق غايات وأهداف سامية. وعلى ضوء ذلك، فالهوية الوطنية لأي مجتمع لابد أن تستند إلى أصول تستمد منها أصالتها ومبادئها وإلى معايير قيمة ومبادئ أخلاقية وضوابط اجتماعية وثقافية وغايات نبيلة تجعلها مركزًا للإستقطاب العالمي والحضاري.

لقد شغلت قضية الهوية الوطنية فكر العديد من المفكرين والباحثين والمؤرخين باعتبارها تحديًا تواجهه المجتمعات، لا سيما في عصر التكنولوجيا الذي ترك أبعادًا نفسية وأخلاقية نتج عنها نقلة نوعية في سمات الهوية الوطنية. فالتراث والثقافة المحلية تنطوي على ما اكتسبه المرء وتوارثه عن أسلافه من قيم مادية وغير مادية، والوطنية في معناها الواسع والعميق تعبير ذاتي عن المجتمع سواء كان ذلك التعبير منبثقًا عن الفرد أو الجماعة وسواء ما كان منها ماديًا يتصل برؤية الإنسان لعالمه المحسوس وتعبيره عنها وترجمته إياها واقعًا ملموسًا يتمثل في العمران والمواقع والمعالم الأثرية المختلفة أو ما كان منها غير مادي يتجلى في أنماط تعبيرية مختلفة تعكس الوجدان الفردي أوالجماعي وغيرها من التعبيرات العفوية والمنبثقة من غور الثقافات القديمة على شكل عادات وتقاليد وعبادات ولغات وفنون وشعائر ومعتقدات.

ورغم ما تشير إليه الأدبيات العلمية من دور بارز لأدوات التكنولوجيا؛ مثل الكتابة والطباعة، في بناء وترسيخ الهوية الوطنية للدول عبر التاريخ، فإن التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم مثل الإنترنت والهواتف الذكية تعد بمثابة تحدٍ وصراعٍ لهذه الهوية؛ فهناك الكثير من الأسئلة حول مدى قدرة تلك الهويات الوطنية على الصمود في مواجهة تأثيرات التكنولوجيا والتي دفعت الأفراد إلى تأسيس مجتمعات افتراضية وهويات بديلة.

وفي المقابل، فثمة رؤى أخرى ترى أنَّ لدى مجتمعات التكنولوجيا فرصا كبيرة في الحفاظ على هويتها الوطنية؛ لما تُشبعه التقنية الحديثة لأفراد الوطن من حاجات ورفاهية وإنجاز وشعور بالفخر والتقدم.

إنَّ تعزيز مفهوم الهوية الوطنية لدى الأفراد يتحقَّق عندما نتقن ما نقوم به من أعمال وإنجازات في سبيل رفعة الوطن وتقدمه، ومن خلال تحويل حب الوطن من كلمات وشعارات نرددها إلى واقعٍ نعيشه. إن تعزيز الهوية يكون عندما يشعر كل مواطن بأهمية دوره في مسيرة البناء. وتتعزز الهوية عندما يخرج كل منا من عباءته الفكرية والطائفية يحتمي بحمى الوطن بعيدًا عن العصبيات الطائفية أو العرقية أوالمصالح الخاصة. تتعزز الهوية الوطنية عندما يشعر كل فرد أنه جزء من حبات رماله عندئذ ستكون الهوية الوطنية العنوان الأبرز والأسبق لكل المبادئ والقوانين.

وختامًا.. إنَّ الهوية الوطنية هي ما نكتسبه من الوطن؛ حيث ولدنا ونشأنا على عادات وتقاليد وقيم خاصة بهذه الأرض تاريخًا وموقعًا جغرافيًا، وهي الانتماء والحب والولاء القائم على المحبة والعطاء المترجم في حديثنا وسلوكياتنا وإنجازاتنا، وللهوية الوطنية أهميتها في تقدم الأمم وازدهارها وبدونها تفقد الجماعات معنى وجودها واستقرارها وتطورها وقوتها وأصالتها.

تعليق عبر الفيس بوك