حاتم الطائي
◄ العالم ينزلق نحو هوة سحيقة من النزاع المسلح والانهيار الاقتصادي المفجع
◄ لا بديل عن وثيقة للسلام العالمي تُنهي الحروب في أسرع وقت ممكن
◄ حان الوقت ليخرج السلام عن إطار الشعارات الجوفاء إلى الخطط واضحة المعالم
ينزلق العالمُ اليوم إلى مرحلة جديدة من "صِراعات الأمم".. صراعات تمضي باتجاه الاحتدام، مُفرَّغة من كل معاني الإنسانية، عُنوانها الحرب والدمار وسفك الأرواح، ومن بين دخانها تفوح رائحة الدماء والبارود، لترسم تفاصيل واحد من أكثر المشاهد العبثية على وجه الأرض، فيما يُكافح البعض من أجل إعلاء قيم الإنسانية والتحضُّر، ووأد مظاهر الجبروت والهيمنة السالبة لإرادة الآخرين، ولكن دُون جدوى، على الأقل في الوقت الراهن.
ولن نمر هنا بأحداث التاريخ كاملة؛ فهي لا تستوعبها المجلدات ولا أمَّات الكتب والمراجع، ولن تجد حتى مُتسعًا لها في الذاكرة الجمعية للبشرية؛ فمنذ مطلع القرن العشرين وما تلاه، يتضح بجلاء "صراع الأمم" في ثوب جديد؛ سواء خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو حتى في فترات متباعدة من حروب متفرقة هنا وهناك. والمؤسف في حقيقة الأمر، أنَّ الحكومات وجيوش الدول العظمى لم تُدرك إلى الآن حقائق التاريخ التي تتجلى بوضوح في أعقاب كل صراع، بأن الجميع خاسرون، وأن المُنتصر الحقيقي هم الشعوب والدول التي نأت بنفسها عن أتون أي صراع عبثي وغير ذي جدوى، ونظرت إلى مصالحها الخاصة دون تجنٍ أو اعتداء على مصالح دولة أو دول أخرى. وهنا نُشير وبقوة إلى نجاح دبلوماسية الحياد الإستراتيجي، والذي يمثل واحدًا من أقوى أدوات القوة الناعمة لأي دولة، فعُماننا من أوائل الدول وأشدها تمسكًا بهذا الحياد، والذي بفضله لم تُحسب يومًا على طرف دون آخر؛ بل حافظت على مسافة واحدة من جميع الأشقاء والأصدقاء، مع حرصها التام على تأكيد حقوق الشعوب المستضعفة، ومناصرة القضايا العادلة ودعم أي توجه يُفضي إلى إعلاء كلمة الحق وإقامة العدل بين الأمم والشعوب، من خلال ما توافق العالم حوله من مواثيق ومعاهدات سعت -بلا ريب- إلى جعل هذا العالم أكثر أمانًا واستقرارًا.
واليوم.. والعالم ينزلق نحو هوَّة سحيقة من النزاع المسلح (حرب أوكرانيا نموذجًا) وكساد تضخمي ناتج عن تداعيات هذه الحرب، إلى جانب ضعف شديد في نمو الاقتصاد العالمي كأحد أسوأ نتائج صراع الأمم، ينبغي على عقلاء العالم و"ذئاب السياسة الخارجية" أن يعملوا على إعلاء صوت الحكمة وترسيخ مبدأ التفاوض من أجل الوصول إلى السلام الدائم والشامل، والسعي بما يملكون من قوة لإخماد نيران الحرب المُستعرة؛ لأنَّ العالم إذا ما استمرَّ في مساره الحالي لن ينجو من أزمات متتالية ستطال الأجيال القادمة لعقود طويلة، سيلعنون فيها جيل التخاذل والوهن والتآمر على مقدرات الشعوب.
وأول خطوات إنهاء صراع الأمم تبنِّي مبدأ السلام كخيار إستراتيجي لا بديل عنه، وهذا يفرض على المنظمات والمجموعات الدولية السعي بكل قوة نحو إطلاق وثيقة سلام عالمي، تضمن حق الأطراف المتنازعة في التفاوض، وتعمل على إنهاء الحروب في أسرع وقت ممكن، وتأكيد الحقوق المغتصبة وعلى رأسها قضية فلسطين عربية وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانيًا: تجريم الاعتداء على الدول وسيادتها، مع التأكيد على حق الدول في الدفاع عن أمنها القومي بالطرق الدبلوماسية، إلا في حالات الاعتداء العسكري.
ثالثًا: إطلاق مبادرة عالمية تشمل كل الدول العظمي: أمريكا والصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، وأن تعمل هذه المبادرة على تقديم حزم إنقاذ مالي واقتصادي للدول التي تضررت من تبعات الصراعات والحروب، على أن تتضمن هذه المبادرة إعفاءً من الديون وتقديم تسهيلات ائتمانية وحوافز داعمة للاستثمار وغيرها.
رابعًا: تطوير منظومات التعليم والصحة وتعزيز الأوضاع الاجتماعية في المناطق المحتمل نشوب صراعات فيها، بما يكفل ترسيخ الاستقرار بها.
خامسًا: طرح خطط لإعادة الإعمار في مناطق الصراعات والحروب؛ لضمان تأهيل الأجيال الجديدة والقضاء على أي مشاعر ومُعتقدات سلبية تضر بإحلال السلام العالمي.
ويبقى القول.. إنَّ إحلال السلام العالمي لا يمكن أن يظل مجرد شعارات مرفوعة أو أمنيات يسعى البعض لتحقيقها دون امتلاك الأدوات اللازمة لذلك، والمنظمات الدولية القادرة على تنفيذ خطط السلام، فصراع الأمم سيظل قائمًا إلى يوم الدين، لكن بالعمل والسعي فإننا قادرون على تخفيف وطأة مثل هذه الصراعات وبناء مستقبل أكثر إشراقًا وبهاءً لكل الأمم والشعوب.