بأي ذنبٍ يعانون؟

عمرو العولقي

تتراءى مشاهد لبعض النساء مع أطفالهن، يحملن الأوراق لطلب المساعدة، على أبواب الفرق والجمعيات الخيرية، ولسان حالهن يحكي حجم معاناة أسرة فقدت معيلها بسبب شيء ما، قد يكون جريمة أو سوء تصرف أو ديونٍ.

 الشاهد في الأمر، أن خطأ يرتكبه فرد يتحمل نتائجه المرة مجموعة من البشر: زوجة، أبناء، أم، إخوة، المهم أن الذين يقعون ضحايا هم أسرة السجين. ومع أن القانون العماني يعد من أنزه القوانين حول العالم، وحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم- حفظه الله- لم ينس تلك الفئة، وقبله كان المغفور له -طيب الله ثراه- حيث نرى عددا كبيرا من الإعفاءات التي تطال المساجين مراعاةً لظروفهم وأحوالهم الإجتماعية ومنحهم فرصة أخرى للتغيير، إلا أن السؤال: ماذا لو كان الجرم المرتكب مستحقًا للعقاب أو تم تكراره مرة أخرى، سيكون السجن هو المكان المناسب لكل من تسول له نفسه إيذاء الآخرين وهضم حقوقهم بغير وجه حق، أو العبث بأمن واستقرار الوطن؛ بحيث يصبح العقاب والسجن ملزمين للمصلحة العامة وحفظ الأمن العام للمواطنين؟ وماذا لو كانت مدة العقوبة سنوات طوال؟ ما الحل لهذه الأرواح التي فقدت معيلها؟

وفي الجانب القانوني، المخطئ عليه أن يتحمل العقاب جراء ما فعل، وهذا سيحفظ الوطن والاستقرار، لكن في الجانب الآخر نقف وقفة إنسانية: ما ذنب هذه الأسرة التي تدمرت بخطأ قام به رب الأسرة، أدى لنتيجة مأساوية وتدهور وضعهم المعيشي والاجتماعي والنفسي؟  ماذا لو كانت هناك حلول لمثل هذه الجوانب؟ نتيجة لفعل فردي؛ تدمر بعض الأسر، بسبب فقد المعيل ودخوله السجن وانقطاع الراتب وفقد الوظيفة أحيانا.. ماذا لو كانت هناك طريقة تضمن كرامة العيش لضحايا السجين أو المذنب من أهله وذويه (إن صح تسميتهم كذلك)؟

لنفترض- مثلا- أن إدارة السجون قامت بتوظيف هؤلاء المساجين بمختلف أنواعهم وجنسياتهم، وذلك بإنشاء المصانع الربحية التي تقوم بإنتاج وتزويد السوق المحلية ببعض المنتجات التي تسوق في الداخل أو الخارج، وتنعش الاقتصاد الوطني ولو قليلا. فيكون عقاب السجن والعمل معا، حيث إن العمل يُسهم في إعادة تأهيل السجين، على المستوى البدني والنفسي، ويأخذ مقابل ذلك راتبا خلال مدة سجنه، ويستفيد من ذلك الراتب تلك الأسرة التي وقع عليها الضرر بسبب ما أقدم عليه وهو خارج جدران السجن.

وحول الآلية، تقوم إدارة السجون بتقييم وضع السجين ومن له علاقة مباشرة به، ومدة السجن، والحالة الصحية والعقلية له، وعليه تقرر ما إذا كان ذلك المال الممنوح من العمل داخل السجن يعود لأسرة السجين، أو لقضاء دين أدى لحبسه، أو ادخارها لحين قضاء محكوميته، وبذلك يكون قد استحق ما آل إليه من عقاب ولم يتضرر من تركهم خلفه، وحين يخرج من مدة الحكم لا يجد نفسه تائهًا وربما يلجأ للجريمة مرة أخرى أو الديون.

ماذا لو استثمرت هذه الطاقات الكامنة خلف القضبان، وقامت بتزويد المجتمع بمنتوجات تزيد الدخل على المستوى الفردي والعام، وكفلت بذلك أسرًا متعففة، وضمنت لهم عيشًا كريما، فسوف تكون الحياة داخل السجن تأديبا وتعليما، وقضاء على مشاكل قد تخلق سجناء آخرين.

من وجهه نظري هناك عدة أفكار أذكر منها:

1- إنشاء مصانع ذات مردود ربحي تعود بالنفع على إدارة السجون والمساجين على حد سواء.

2- تصنيف المساجين بحسب فئاتهم وتوجيههم للعمل بحسب حالتهم الصحية ومهاراتهم المختلفة.

3- اتخاذ الإجراءات الاحترازية والأمنية لتأمين بيئة العمل وجودته.

4- وضع الخطط التسويقية لاحتياجات السوق الداخلي أو الخارجي.

5- عمل دورات تدريبية وتأهيلية للمساجين سواء في الجانب التقني والإلكتروني أو الجانب المهني بحيث يكون المسجون وقت خروجه قادرا على امتهان عمل ما يضمن له عيشا كريما.

5- مساهمة كافة المؤساسات الحكومية والخاصة في دعم هذة الفئة كالأطباء النفسيين والعلاج من الإدمان، وكل ما من شأنه الأخذ بأيديهم وإصلاح السلوك.

6- عمل مكاتب للعمل مجهزة بحواسب آلية للذين لا يستطيعون العمل في وظيفة تحتاج مجهودا بدنيا.

7- تقوم إدارة السجون بتقييم وضع السجين وعائلته واحتساب المال الممنوح ولمن يؤول له بحسب الأولويات وقرار اللجنة المكلفة.

8- مساهمة الجمعيات الخيرية في دعم هذه المشاريع، وكذلك الشركات ضمن بند المسؤولية الاجتماعية.

هناك الكثير من الأفكار لا يسعني ذكرها في هذا المقال، ولكن نحلم أن تراعى كل الجوانب؛ بحيث يجمع النسيج المجتمعي بتكاتف الجميع، والأخذ بيد المخطئ ودعم أسرهم وعدم تركهم أو معاملتهم بأخطاء لم يرتكبوها، كل ما اقترفوه هو أنهم أقارب لمجرم أو مسجون، دون ترك أهمية العقاب والتأديب، والمساهمة في تنمية العجلة الاقتصادية أيضا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة