ناصر بن سلطان العموري
عاد مؤخراً حجاج بيت الله الحرام بعد تأديتهم فريضة الحج، نسأل الله لهم القبول والغفران من رب غفور رحيم.. أضع بين أيديكم رسالة من حاج عاد لتوِّه من تأدية مناسك الحج، رسالة أطرحها كما وصلتني بكل أمانة ومصداقية، وكلي يقين بأنها ستجد آذانًا صاغية من الجهات المختصة:
"لم تكن الزيارة الأولى لي للديار المقدسة، ولكنها كانت الأولى لي كحاج لبيت الله الحرام، وما أثار دهشتي واستغرابي ما لمسته وشاهدته في المُخيم العماني في منى، وكنت أتوقع الأفضل من بعد ما سمعته وقرأته من أخبار ومانشيتات عن استعداد الحملة العمانية من استقبال الحجاج في مخيم منى وجبل عرفات على أكمل وجه، صحيح أنني أول مرة أذهب للحج، وربما كُنت غير مدرك وقتها للازدحام الشديد والطبيعي الحاصل في هذا المحفل الديني، ولكن ما تفاجأت به هو سوء التنظيم، وعدم تهيئة أماكن الخدمات بالشكل الأمثل الذي يليق بزوار بيت الله الحرام، فلا سُكنى مهيأة بما يتلاءم مع راحة الحاج، فتجد 10 أشخاص في خيمة واحدة لا تتجاوز مساحتها 8X8، وهو ما يتعارض مع الجانب الصحي وما يشهده هذا العصر من انتشار الفيروسات والأمراض. أما عن أماكن الخدمات ودورات المياه، فحدث ولا حرج، فتجد الأبواب وأقفالها تالفة تبحث عن من يُعينك على إغلاقها وأنت بالداخل أعزكم الله، وتجد الازدحام على أشده، خصوصا أوقات الصلوات والذي يستمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة، والله يعين من ابتلى بمرض يلزمه التردُّد على دورات المياه بين الفينة والأخرى، والغريبة حين تجد دورات مياه الرجال متلاصقة لدورات مياه النساء؛ حيث تسمع أصواتهن بشكل واضح!!!!
هذا غير الأمور الأخرى من ضعف التكييف، وضعف ضخ المياه، وعدم التنظيم داخل المخيم؛ حيث اختلاط الرجال والنساء في ممرات لا يزيد عرضها عن متر، وأذكر مقولة أحد الحجاج: "مخيم منى وعرفة للأسف الشديد زحام في زحام، ولا توجد بيئة صحية مناسبة للحاج، وكأنَّ الحال يقول (لابد للحاج العودة إلى وطنه محملا بالزكام والأمراض)".
دفعت مبالغ طائلة لتأدية مناسك الحج وهي ليست بخسارة، طالما أنها لركن من أركان الإسلام، وكما وصلني أن على كل حاج مبلغ مخصص لمخيم منى، وهو مبلغ ليس بالهين ولا القليل، إذا ضربنا هذا المبلغ في عدد الحجاج العمانيين لهذه السنة أو غيرها من السنوات، حين اكتمال العدد، ولسان الحال يقول "أليس بالإمكان أفضل مما كان"؛ فحال المخيم العماني في منى كما علمت ليس بالجديد، بل هو قديم متجدد، والتغيرات الحاصلة ليست بتلك الإضافة التي تُذكر، فقد اقتصرت على نوعية الخيام والفرش وتغيير أبواب دورات المياه والأقفال والتي تلفت سريعا "ربما لعدم جودة النوعية المستخدمة أو لسوء تركيب"، ولم يشهد المخيم أي تغير جذري كبير يُذكر في نوعية الخدمات المقدمة لراحة الحجاج من ناحية تخفيف الازدحام في السكن أو الخدمات اللوجستية الأخرى ومدى جودتها، والغريب حينما علمت أن المخيم يفتقد لمسجد أو مصلى، والحاصل أن كل خيمة تُصلي بمفردها؟!!! الحمد الله أني أكملت فرضي، وما غرضي جراء هذه المناشدة سوى تسليط الضوء على الواقع الحاصل في المخيم العماني، ورغبةً مِني في أن يكون أفضل مما هو عليه.. مع خالص شكري للبعثة العمانية وما تقوم به جهد بناء على الصلاحيات الممنوحة لها".
مُناشدة أراها جاءت عملا بمقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي"؛ فمن الجيد معرفة أوجه النقص والقصور، خصوصا عند التعامل مع فئة الجمهور، ليس عن طريق أصحاب الحملات فحسب، بل حتى من قبل الحجيج أنفسهم، في ظل عدم وجود قنوات عامة لنقل الملاحظات والاقتراحات، وهذا ما يستدعي من البعض منهم مناقشتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي السائدة في كل محفل.
سيناريو مخيم منى يتكرر في كل موسم حج، وقد يعزو البعض ما يحصل إلى الازدحام الشديد، وكل هذا كلام مكرر ومعاد، ولكن لما لا نفكر في الحل قبل التفكير في المشكلة. باختصار المخيم العماني في منى بحاجة لتقييم ووقفة جادة ومراجعة صريحة لتصحيح أوضاعه، وما يجب أن تقدمه أكثر مما هو حاصل لخدمة الحجاج؛ فهناك فرق بين ما هو متوفر وبين الطموح المرجو، أعتقد أننا بحاجة لإعادة هيكلة مخيم منى بالكامل وتخطيطه أو تصميمه من جديد؛ بما ينعكس إيجاباً على راحة الحجاج العمانيين.
كُلنا على يقين بأنَّ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لن تألو جهدا لتصحيح الوضع إلى الأفضل، وبالتنسيق مع وزارة الحج بالمملكة العربية السعودية، لتوسعة المخيم العماني وتحديثه بما يتناسب مع راحة الحجاج العمانيين، وهو ما يجب أن يكون الأساس والمبتغى.