◄ "كورونا" بموجاته الجديدة يتهدد العالم ويفاقم مخاطر السقوط في براثن أزمة عالمية جديدة
◄ عواصف اقتصادية تهدد البنى الأساسية للنظام المالي العالمي على نحو أسوأ من "أزمة 2008"
◄ الأزمة تتفاقم وستُضيق الخناق على الدول النامية والناشئة ما لم يتم البحث فورًا عن حلول مستدامة
على ما يبدو أن أزمات العالم لن تنتهي، فما إنْ تلتقط الدول أنفاسها من تبعات أزمةٍ اقتصادية أو صحية، إلا وتنفجرُ بوادر أزمة أخرى، ونظل هكذا ندور في حلقات مفرغة دون توقف؛ بينما هناك من يستفيد ويحقِّق أرباحًا وعوائد من وراء كل أزمة؛ الأمر الذي يُعيدنا كل مرة إلى المربع الأول للمُناداة بـ"الاستعداد المُبكر" لكل ما هو متوقع من تحدياتٍ وأزمات قد نمرُّ بها.
وفي ظلِّ ما يتعرض له الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن من عواصف اقتصادية، وزلازل مالية تُهدِّد البُنى الأساسية للنظام المالي العالمي على نحو أسوأ من "أزمة 2008"، تبقى الحلول الشاملة لا غنى عنها، ويظلُّ اتخاذُ الإجراءات المناسبة في التوقيت السليم هو الحل الأنجع والأفضل دائمًا وأبدًا.
فبودار الأزمة المرتقبة جرَّاء تفشِّي موجة جديدة من انتشار متحورات فيروس كورونا تهدِّد اقتصادات العالم من جديد، فإذا ما ولَّينا وجه مِنظارنا الاقتصادي جهة الشرق، سيبين لنا حجم المخاطر التي تهدد ثاني أكبر اقتصاد في العالم: الصين؛ حيث تعاني بكين من مخاطر تفشٍ جديدٍ للفيروس، وسط استعدادات مُكثفة للغاية للتعامل مع هذا التحدي الهائل، في بلد يعيش على ترابه أكثر من 1.3 مليار إنسان، وبناتج محلي يتخطى الـ18 تريليون دولار أمريكي، وقطاعات اقتصادية يعتمد عليها العالم كله، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد عالمي، علاوة على القوة الشرائية للمستهلك الصيني ودورها في نمو الاقتصاد العالمي. لكنَّ المُفزع حقيقةً أن يكون ذلك كله على المحك وسط إجراءات احترازية في المقاطعات الصينية لا تبدأ بفرض الكمامات وحسب ولا تنتهي بالإغلاق التام ومنع الحركة!
لقد تسبَّب "كابوس كورونا" المخيف في الربع الأول من العام 2020 في تبعات اقتصادية عنيفة للغاية، تسبَّبت في تدمير اقتصادات وتراكم الديون على الكثير من الدول، خاصة النامية والناشئة، ومن غير المتصوَّر تفاقم حدة هذه الأزمات، لأنَّ العالم بلغ مرحلة خطيرة من الانحدار الاقتصادي، بالتوازي مع أزمات سلاسل الإمداد والتضخم المُفرط "Hyper Inflation" والقفزة الكبيرة في أسعار العملات الرئيسية وزيادة أسعار السلع (النفط والذهب والمعادن)، والأسوأ من ذلك أيضًا الارتفاع الشديد في أسعار الحبوب (القمح، الأرز، الذرة وفول الصويا...وغيرها)، وما تبع ذلك من ارتفاعات قياسية في أسعار المواد الخام الأخرى، حتى بات العالم على أعتاب أزمة جوع عالمي، إن لم تكن بعض الدول قد دخلت فيها بالفعل.
وفي الجانب المقابل من الأزمة، من حيث مساعي الدول والأنظمة الاقتصادية لمعالجة الأزمة وتجاوز التحديات، نجد البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والذي لا يعبأ مطلقًا بتسببه في أزمة ديون شرسة كلما زاد من سعر الفائدة الأمريكية لكبح جماح التضخم، وأيضًا يمضي على ذات النهج البنك المركزي الأوروبي الذي لم يتوانَ عن رفع الفائدة على اليورو. كل هذه الإجراءات تتسبَّب في تضخُّم كرة الثلج العملاقة التي تحمل في داخلها ديون الدول، مما يُنذر بأزمة عجز عن سداد الديون لم يعرفها الاقتصاد العالمي منذ عقود، وها هي بعض الدول تُعلن إفلاسها أو عجزها عن سداد الديون، بينما تواصل الدول العظمى رفع قيمة عملتها رافعة شعار "مصلحتي أولًا".
إذن؛ نحن أمام أزمة تزداد حِدَّتها، وتُضيِّق الخناق على الدول النامية والناشئة، وهذا يتطلب البحث عن حلول؛ سواء من خلال تسريع وتيرة العمل من أجل تعزيز التنويع الاقتصادي وزيادة الموارد غير النفطية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مع العمل بكل ما يمكن من أجل توفير السلع والمنتجات بأسعار مناسبة وتعزيز الأمن الغذائي، وتعزيز الشراكات الاقتصادية مع مختلف الدول، لا سيما الصين ودول شرق آسيا، التي تملك التكنولوجيا والحلول ولديها الرغبة في الاستثمار دون فرض إجراءات أو شروط، عِندئذ سنتمكن من إنجاز العديد من الأهداف التنموية وندعم جهود تطبيق خططنا الإستراتيجية وأهمها رؤيتنا المستقبلية الوطنية "عمان 2040".
إنَّ المشهد العالمي الحالي يخبرنا بحجم التحديات المحتملة، والتي قد نتأثر بها بدرجة ما خلال الفترة المقبلة، ولكي نقرأ هذا المشهد جيدًا علينا أن نضع في أذهاننا 3 عوامل أساسية تُنذر بتفاقم الوضع -كما ذكرنا سلفًا- وهي: أولًا: تجدد أزمة كورونا مع ظهور متحورات جديدة وتفشيها في مختلف دول العالم. ثانيًا: استمرار الحرب في أوكرانيا. وثالثًا: الكساد العالمي الناجم عن الضعف الاقتصادي والتضخم.
تلك العوامل تحتاج إلى مزيد من التعاون الدولي مع المؤسسات ذات الصلة من أجل وضع حلول نهائية واتخاذ ما يلزم من إجراءات للحد من المخاطر التي تحدق بنا.
وختامًا.. إننا أمام تحديات جسيمة تتطلب الصبر من كل فرد في هذا المجتمع، وتحمُّل الأعباء، والقيام بما علينا من واجبات ومسؤوليات على النحو الذي يُسهم في تعزيز قدرة مؤسسات الدولة على درء المخاطر ومواجهة الأزمات وضمان العيش الكريم لكل مُواطن؛ إذ إنَّ شبح الكساد العالمي يلوح في الأفق ويُهدد العالم بأسره ويُفاقم مخاطر السقوط في براثن أزمة عالمية جديدة لا يعلم أحد مدى شدتها.