سارة بنت علي البريكية
Sara_albreiki@hotmail.com
يُخيَّل لنا أحيانا أنَّنا لن نتجاوز اللحظة التي نعيشها أبدا، وأن المشاعر التي تسكننا وتعترينا في ذلك الوقت لن تتغير، وأن التنبؤات التي تطرأ على قلوبنا وعقولنا ستبقى كما هي، وأن تلك اللحظة ستبقى كما هي ولن يغيرها شيء، وأن التشبث الغريب الذي نشعُر به تجاه الأماكن والشخوص والأسباب والمسببات هو نفسه سيبقى، وأن ذلك الإحساس الذي يطير بنا للسماء لن يتجدد أبدا وسنبقى غارقين في بطن الحوت، تحفنا ذكرياتنا الحزينة والسعيدة في آنٍ واحد، لن نستطيع استبدالها بمواقف أخرى.. ومع تغيُّر الزمان والمكان والظروف والأشخاص يتغيَّر كل شيء، ويبقى الجزء المقرَّب من القلب جزءًا باردًا مُحطمًا، نحاول أن نخبئ ما به من كدمات خلَّفها الزمان وعوامل الحرارة حتى ذاب أسًا وحرمانًا.
مضتْ أيامُ عيد الأضحى المبارك وكلٌّ منَّا مشغول بنفسه، متقوقع مع ذكرياته وعائلته، حابسا أفكاره في قفص الماضي، لكنَّ العيد أتى مُحمَّلا بالأمراض والأسقام والأموات، ولم يكن عيدًا سعيدًا، فكلُّ ما ظل عالقاً في رؤوسنا الأخبار المتداولة والأحزان التي لم تمر على خير؛ فمشهد جرف الماء لتلك الأسرة لا يزال حديث الساعة، ومشهد غرق الأطفال وموتهم أمرٌ آخر يُبكي العين ويُدمي القلب، أما وادي عاهن فكان كريما لمن زاره وأرداه قتيلا، والقائمة تطول.. هي بالنهاية أقدار ستمضي كما كتبها الله، ولكن الحذر الحذر.
فرحمة الله تغشَى الراحلين، والبركة في عمر الباقين، وعمر الأمنيات الطويلة التي تلوح في جنبات القلب بانتظار لحظة الفرج ولحظة الانتصار ولحظة الفرح.
الحياة التي تمرُّ بنا غريبة؛ لدرجة أننا تغيَّرنا، فكل ما قلنا لن نقوم به تجدنا ننجرف باتجاهه، وهوس الشهرة والسوشيال ميديا وبرامج التواصل الاجتماعي والقائمة تطول يُدهشنا لدرجة أننا أصبح ما نتسلَّى به يتسلَّى بنا، فنهدر الأوقات، ونبذل المال، بحثا عن مشاهدات لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، أما الحرب القائمة الآن بين جيل الشباب فهي مَنْ يبرز عضلاته أكثر ويلفت الانتباه؛ فلقد انتهى الزمن الطبيعي، وبتنا في زمن اصطناعي؛ حتى الفرحة والابتسامة والدمعة نصطنعها لنَظهر بصورة مثالية أمام "سين" من الجمهور الذي يتابعنا، أو اننا نبحث عن عدد أكبر من المتابعين يضمن لنا البقاء والتسيُّد على مقدمة المشهد، قِسْ على ذلك أولئك الفتيات المنحطات فكريًّا، والذكور الذين باعوا رجولتهم مقابل إظهار بناتهم وزوجاتهم بصورة مخلة بالأدب المتعارف عليه في سلطنة عُمان، فكل هؤلاء لا يمثلون الفكر العماني، ولا الأخلاق العمانية الأصيلة التي تربينا عليها، ولا الانحطاط هو من مبادئ أهل عُمان الكرماء، فحركات إظهار خصلات من الشعر في مقدمة الرأس، أو حسر الرأس بالكامل، واحتسابهن قدوات لفتيات الجيل القادم، كلها لا تمُت لنا بصلة.
إنَّنا وبعد ما مررنا به في أيام العيد الأضحى من مآسٍ وأحداث، نسأل الله العلي القدير أن يُلهم عوائل المفقودين الصبر والسلوان، وأن نكون يدا واحدة في إسقاط من اتخذه الزمان أسطورة، وهو في الحقيقة أقل من أن يُقال عنه إنسان؛ لأنَّ الإنسان العربي العُماني الأصيل بطبعه حريص على صون نعم الله عليه، ومحافظ بطبعه، ولا يتسبب في إيذاء غيره، كريم وشهم بأخلاقه؛ فالأخلاق هي التي تنشئ أجيالا صالحة، فعلينا الاختيار وعدم الانجراف خلف كل هذه المُغريات، بل ومحاربة ومساءلة كلَّ من تسول له نفسه مُخالفة الذوق العام والمبادئ والعادات والقيم؛ فبلدنا يُشار إليه بالبنان.
فلنكُن يدًا واحدة من أجل عُمان.. فعُمان تستحق.