"آليس" في بلاد الأكشاك!

ماجد المرهون

لا شك أن أول ما يلفت نظر القادم إلى محافظة ظفار لهذا العام، هو "الأكشاك" المنبسطة على مدّ النظر كالبساط الأخضر.

فمنها ما هو صندوقي عديم الذوق والشكل، ومنها ما هو مُبهرَج بألوان جاذبة للبعوض قبل البشر، ومنها ما ينطق بلغة الإشارة ويقول: "احذر، فالكتاب واضح من عنوانه".

إنَّ الفكرة السائدة في المجتمعات المتحضرة اليوم، خصوصًا التي تنشد التطور والجذب السياحي، هي محاربة العشوائيات، وإيجاد حلول بإزالتها، فإذا تعذر ذلك لاعتبارات عرفية وإنسانية، دُمجت بفكر خلاق بالمجتمع والبيئة المحيطة بها، مع الإقرار بصعوبة هذا الأمر، فضلاً عن صعوبة تنظيمها لاحقًا.

لقد استعارَ العالم العبقري تشارلز دودسن اسمًا يُخفِي به شخصيته الحقيقية في مؤلفاته القصصية، ليضفي على قصصه نوعًا من الفصل الذهني بين عالم الرياضيات والضوئيات ومؤلف القصص الخيالية، وكذلك لاعتبارات مجتمعية سائدة آنذاك، فخرج بواحدة من قصصه أسماها "آليس في بلاد العجائب"، والتي أصبحت لاحقًا قصة عالمية من تأليف لويس كارول.

وعندما أقف مُتأملاً في رواية "بلاد الأكشاك" فلن أجد صعوبة في استنتاج عبقرية الفكرة من خلال العنوان، حتى إذا تعمقت قليلاً وتيقنت أنَّ هناك عقليات صندوقية فذة قامت بحبك هذا السرد القصصي المعقد، وخرجَت لنا بمؤلف عالمي وجدت مِصداقا استنتاجيا في الأشكال العشوائية المقحمة قسرًا على بيئة طبيعية أقل ما يُطلق عليها "رائعة"، وتؤكد بما لا يجعل مجالاً للشك أنَّ المجتمع الذي يسكن هذا الجزء من العالم هو واحد من المجتمعات الفقيرة، ويريد أن "يسترزق"، وإن ظهر عكس ذلك في شكله العام، ولكن رُبما المؤلف لا يبالي بانعكاس هذه الفكرة على الزائر "أقصد القارئ".

هيرمان ملفيل كان بحارًا، لذلك كان لا يخشَ النظر إلى الأفق البعيد، فكتب للعالم روايته الشهيرة "موبي ديك".

ربما كل ما نحتاجه هو عقول قادرة على التفكير رأسيًّا بارتفاع يتجاوز أربعة امتار فقط. أما الأفق، فهو مقيد بالأسوار الحقيقية من حولنا والوهمية في عقولنا.