د. صالح الفهدي
أشاد الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفراي بالمسلمين على البرنامج الفرنسي الشهير (Face à l’Info) على قناة (CNews) مع الصحفي والكاتب إريك زمور قائلًا: "إن المسلمون لديهم أخلاقيات وشرف، أما نحن فقد فقدنا الشرف"!
ويقول المفكر والقانوني الفرنسي دومينيك سورديل في استعراضه لأخلاق المسلمين: "لا يمكن إنكار أن الإسلام مارس فضائل حقيقية وخاصة منها الفضائل الاجتماعية، وهي استجابة لنداءات القرآن، نعثر فيها على أساليب تضيف إلى وصايا الله، وتبدو كأنها استمرار للبر؛ وذلك كما تحدد الآية الرائعة التالية: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177).
وفي موسوعة "قصة الحضارات" للمؤرخ ول ديورانت، نقتطفُ جزءًا من قوله عن أخلاقيات المسلمين: "ويبدو بوجه عام أن المسلم كان أرقى من المسيحي في خلقه التجاري، وفي وفائه بوعده، وإخلاصه للمعاهدات التي يعقدها مع غيره"، ويقول في موضعٍ آخر:" المألوف أن المسلم كان مثال الرقة، والإنسانية، والتسامح، وكان- إذا وصفنا أواسط الناس- سريع الفهم، حاد الذكاء، سريع التهيج، يسهل إدخال السرور إلى قلبه، والمرح على نفسه، يجد الرضا في البساطة، ويصبر على بلواه في هدوء، ويتلقى جميع حوادث الأيام بصبر، وكرامة، وشمم، وكبرياء".
وفي ثنائه على خُلق التسامح يقول المستشرق الألماني آدم ميتز: "وجود النصارى بين المسلمين كان سببًا لظهور مبادئ التسامح، التي ينادي بها المصلحون المحدثون، وكانت الحاجة إلى المعيشة المشتركة- وما ينبغي أن يكون فيها من وفاق- مما أوجد من أول الأمر نوعًا من التسامح، الذي لم يكن معروفًا في أوروبا في العصور الوسطى".
هذه مقتطفات لثناءات مفكرين ومؤرخين غربيين قدامى ومحدثين لأخلاقيات المسلمين يشيدون فيها بأخلاق المسلمين المستمدة من دينهم الحنيف، في الوقت الذي ينعون فيه ضعف الأخلاقيات الإِنسانية في مجتمعاتهم وضياع مفاهيم الأُسرة والأواصر الإجتماعية بسبب النزعات المادية التي طغت على مجتمعاتهم فحوَّلت الإنسان إلى مجرَّد سلعة تباع وتشترى، كما يذكر ذلك عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (Zygmunt Bauman) في كتابه "عصر الحداثة السائلة" واصفًا العصر بأنه ذلك العصر الذي تذوب فيه الأخلاق مقابل الاستهلاك الذي أصبح كالقدر الذي يجعلنا مجرّد كائنات استهلاكية نستنزف أنفسنا وطاقاتنا لنشعر بالرضا، مدركين أو غير مدركين أن هذا الرضا مؤقت، وأن الطريق بين مركز التسوق وسلة المهملات قصير المسافة!
انهارت الأخلاقيات في الغرب إلى مستوى مأساوي؛ فالأُسرة بمفهومها التقليدي أصبحت نادرة، والزواج بمفهومه الشرعي صار أضحوكة يتندَّر عليها الغربيون في الغالب، حتى إنني سألتُ امرأةً إنجليزية تُعيلُ طفلين إن كانت ستكون سعيدة لو أنها كانت متزوجةً تعيش مع زوجها في بيتٍ واحدٍ بدلًا من العلاقات غير المستقرة فأجابت بالإيجاب، لكن حلم الاستقرار أصبح شبه مستحيل، ولننظر إلى اللاعب العالمي البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يعجب به ملايين الشباب في العالم، فحياته الزوجية غير شرعية، وأبنائه غير شرعيين وبعضهم من أرحام مستأجرةٍ لا يُعلم عن أمهاتهم شيئًا، وهذا أمرٌ معلومٌ ليس سرًّا على أحد..!
أخبرني أحدهم أن أمريكيًّا انتقل للعيش في الخليج مع أُسرته قائلا لراوي القصة أنه هرب من أمريكا بأبنائه لانتشار الشُّذوذ في أمريكا وخوفه على أبنائه! لقد بلغَ ببعض الدول أن تختطف الأبناء من أحضان والديهم لاتهمامهم بأنهم لا يمنحونهم الحقوق الجنسية التي يفترض أن يتمتعون بها كما تفعل دولة السويد من خلال منظمة "السوسيال" التي تصادر الأطفال من الأُسر المسلمة أو تلك التي تريد أن تربي أبناءها على قيم سويَّة!
هذا الإنهيار الأخلاقي في الغرب هو أشبه بالإنهيارات الثلجية التي تنتج فيضانات مائية تغمرُ ما يكون في طريقها، وهذا ما يحدث اليوم؛ فالغربُ يملك الوسائل الإعلامية القوية النافذة التي لا يستطيع المسلمون أن يتخلَّوا عنها كالشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والمنصات التفاعلية الإجتماعية، كما يملكون كبار الشركات التي تصدر منتجاتها إلى بلداننا وهي تدعم التوجهات الشاذة جنسيًا.
إننا نستقبلُ النفايات البذيئة من هذا الطوفان اللاأخلاقي الذي يأتي في صورٍ جاذبة، وأشكالٍ مبهرةٍ، تناوش النزوات والشهوات، بيدَ أنه لا أمل لنا سوى الاعتصام بدستورنا العظيم، والتمسك بديننا الذي هو مصدر أخلاقنا، ووعينا بأنَّ الضعف الأخلاقي، والتهتُّك في الآداب سيصيبان هويتنا- التي نعتزُّ بها- في مقتل..!
علينا أن لا ندفن رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعام إزاء هذه الاختراقات التي تتقصد تحلّل أخلاقيات هي مكونات شخصياتنا، وأساس كياننا الإِنساني، وهذا يتطلب منا العمل وفق جهودٍ منظَّمةٍ، ومشاريعَ واضحة في مختلف الصُّعُد.