وداعًا محمد.. صاحب الوجه الجميل!

 

 

سارة بنت علي البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

وجه محمد وهو مبتسم ما زال يملأ الأرجاء بهاءً وعبقًا ورقةً، أما عيناه التي تتحدث عن صمتٍ طال، كانت تقول لنا حديثا آخر، عنوانه قوة العزيمة والصبر والتفاؤل والطموح الكبير الذي كان يرافقه لوقتٍ طويل، بينما تلويحة يداه الطاهرتين مودعًا لنا في يومٍ مشمس كانت تحكي عن ميلاد قادم وساعة الصفر وانقلاب وتيرة الحياة.

مضى محمد يحمل في قلبه حزن أبيه ومرضه الذي ألمّ به وكان دائم الاهتمام بوالده حتى في لحظات اشتغال الآخرين، أما محمد كان مختلفا، وكان هو الساعد الأيمن والعقل الراشد رغم صغر سنه فقد كان مقربا من أبيه ومحبا له وطائعا له.

في يوم الرحيل كانت الدقائق تتسارع والثواني تجري جريا وكنا نتحدى الوقت وكان صراع غريب وشعور مخيف يعبر في الزوايا وفي أقصى مساحات الفؤاد العاشق لمحمد كان قلب والدته الحنون قد أربكه غياب محمد وذهابه لأداء واجبه اليومي الذي يحب أن يقوم به. كانت في حالة من الهذيان ونوع من السكون الذي يسبق الرحيل المفجع وما هي إلا سويعات بسيطة ليأتي الخبر الصاعق بموت محمد!

لم نكن نعلم وقتها أهذه حقيقة أم خيال أم كابوس مزعج في ظهيرة مختلفة؛ فقد كان مستعجلا ليرى وجه أمه ويطمئن قلبها الخائف لكن الموت كان أقرب وكان بينهما وحال دون اللقاء.

محمد بن عبدالله الهنائي طفل في الرابعة عشر من عمره راح ضحية السرعة الفائقة وعدم الانتباه وأيضا عدم وجود كاسرات للسرعة في الشارع الذي يفصل بين منتزه النسيم الواقع في ولاية بهلا الجميلة بمنطقة بلادسيت ومنزل محمد الذي يكون بعد الشارع.

كان محمد ابنًا بارًا وطالبًا مجتهدًا فقد احتفلت به أسرته مؤخرًا لنجاحة وحصوله على المركز الأول على مستوى صفوف الصف الثامن على مدرسته التي تكون في مسقط، وكعادة الأهالي يحبون العودة في فصيل الصيف وبدء الإجازة الصيفية للبلد وهكذا كان محمد وأسرته التي يعاني فيها والده من مرض السرطان- شفاه الله- وكان محمد يقول لأبيه: "أبتي سوف أتبرع لك بكبدي" لكن إراداة الله والتي ليس عليها اعتراض أتت قبل ذلك؛ ففي مساء السبت بعد صلاة الظهر في 11 يونيو الماضي غادرنا محمد بعد أن خرج من المنزل متوجها إلى منتزه النسيم الذي تملكه العائلة؛ حيث من عادة محمد حبه للعمل وشغفه الدائم للتعلم وركوب الخيل والسباحة والاعتناء بالحيوانات والاهتمام بالسياح الذين يأتون إلى المنتزه والمساعدة والمعاونة فهذا هو طبع محمد صاحب القلب الكبير الذي يهب لمساعدة الجميع والذي لا يتوانى عن ذلك.

لكن اتصال والدته الأخير وهو في المنتزه كان لتستمع لآخر مرة صوته الندي " محمد.. نعم أمي.. محمد هيا تعال لتتناول وجبة الغداء.. إن شاء الله أمي". محمد أصر أن يذهب لوالدته رغم إلحاح زملائه بالبقاء في المنتزه وتناول وجبة الغداء معهم لكنه قبل أن يصل، خرج من المنتزه متجها إلى المنزل وكان يعبر الشارع بدراجته الهوائية إلا أن النداء الأخير قد حان فسمعه محمد، فإذا بسيارة مسرعة تتجاوز صهريج المياه وتلقي بمحمد على قارعة الطريق، وينظر محمد  للسماء وكأنه ينادي والده ليقول: أبي ما الذي حدث؟! ما زلتُ أريد أن أتبرع لك بكبدي يا والدي الحبيب ما زلت أريد أن أشارك في فعاليات المنتزه التي أتينا من مسقط من أجل أن نشارك بها. ما زلت أريد أن أكبر واساعدك لحمل مسؤولية الكفاح وما زلت أريد أن أجلس مع أمي وإخوتي وأتحدث عن أشياء كثيرة. لازلت أحبك يا أبي، وأحب أن أرى ابتسامتك .. يا أبي تحمل هذا الخبر الأليم، وأخبر أمي أن لا تحزن فملتقانا في الجنة.

رسالة مهمة لمن يهمه الأمر..

نداء عاجل جدا  للجهات المختصة بإنشاء كاسرات سرعة أو جزيرة في المنطقة المقابله لمنتزه النسيم في الشارع الذي يربط بلدة بلادسيت بالحمراء ويمر أمام هذا المنتزه، وهو كثيف بالزوار، وقد طالب أصحاب المنتزه كثيرًا الجهات المختصة بذلك، لكنّ لم يتحقق حتى الآن!