المرأة والمجتمع

 

أنيسة الهوتية

عندما أقول المرأة والمجتمع فإنني لا أصفق للحركة النسوية ولا أطبل باسم المساواة بينها وقرنائها من الرجال كما تفعل المؤسسات "البيّاعة للكلام" باستخدام تلك العناوين على لافتات عريضة للفت انتباه الرأي العام، فتستخدمها سُلمًا تدوسها درجةً درجة حتى تصل إلى أهدافها التي لا تخدم المرأة باسترجاع حقوقها المجتمعية والإنسانية الضائعة بحجم خدمتها لمن ينادون برفع تلك اللافتات سياسيًا وتجاريًا وترويجيًا و"مبيعاتيًا".

فكثيرٌ من البشر استخدم تلك العناوين المبهرجة حتى تقع أضواء الشهرة عليهم، ومنهم من سعى إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، والأيتام، والأسر المعسرة، والقضايا المجتمعية والإنسانية المختلفة التي من بين كل عشرة موجودين تحت مظلتها ثلاثةٌ فقط يهتمون حقًا بالقضية والسبعة الباقون يسعون لفائدةٍ ومصلحةٍ خاصةٍ لهم -كنسبة متوسطة- حتى وإن كانوا من أبناء القضية نفسها إلا أن سعيهم للمصلحة الشخصية هي أساس مطلبهم وليست المصلحة العامة.

ولا أقول إن المرأة حقها غير مهضوم، فإن هناك الكثير من النساء اللواتي ضاعت حقوقهن! ولكن! من الذي ضيع حقوقهن! أو من التي ضيعت حقوقهن! فإنه من المعلوم -المغضوض عنه من المرأة- أن عدو المرأة الأول هي المرأة نفسها وفي المرتبة الثانية هي ضد نفسها، أما الرجل فهو في المرتبة الثالثة والأخيرة طبعًا.. لأن المعركة تلك ثلاثية الأبعاد لا بعد رابع لها.

ومن يتفكر فيها كثيرًا دون إدراك ذهني سيجد نفسه يدور في دوامةٍ فلسفيةٍ لا نهاية لها، كما يركض الرجال في دهليزٍ فلسفيٍ لا مخرج منه حين يكرهون المرأة وهم يعشقونها! ويهربون منها إليها! ويتمنون موتها فيموتون لأجلها! يصفونها بالدمار والهلاك ويسعون لذات الدمار والهلاك! فلا مفر لهم منها؛ لأنها أرضهم التي زرعوا فيها، ونبتوا منها، وحين استقوا ذموها رغم غرامهم بها! إذًا في تلك المعركة الثلاثية نجد أن الرجل كائن تائهٌ في براثن المرأة منجذبٌ متنافرٌ لايعلم ماذا يريد منها! أما المرأة فهي تعلم ماذا تريد من الرجل وكيف تخرج مبتغاها منه، وأيضًا كيف تجنده ضد امرأةٍ أخرى.. والخلاصة هنا تأتي بنتيجة أن مجرم الحرب الأساسي ضد المرأة هي المرأة نفسها والرجل ليس سوى سلاح في يدها تعرف متى تتفاخر به كـ"تفق برزة" ومتى تلقمه بالذخيرة فيفتعل جريمته التي وجهته لها ضد امرأةٍ أخرى.

والإسلام كرّم المرأة ورفع شأنها ولم يرضَ أن تكون ممتلكًا من ممتلكات الرجل، لها حقها الإنساني الكامل وإن ورثت النصف إلا أن لها حق البر ثلاثًا مقابل واحدةٍ للأب، وإن أمرت بالستر أضعافًا عن الرجل إلا أن الجنة تحت قدميها، وأمر هو بأن يكون قوامًا عليها، حاميًا لها، وإن أبكاها وقهرها فيما لا يرضي الله، غضب عليه -جل وعلا- من فوق سبع سماواتٍ طباق. وأوصى بهن الحبيب المصطفى خيرًا فإنهن القوارير اللواتي لم ينزلن الرجال من الجنة إنما من أرحامهن.

وبعد كل ذلك التكريم أتت المجتمعات وضيقت عليها الدائرة حتى كادت أن تختنق من العادات والتقاليد التي أوجدت ليس بفعل الرجل -الذي دوره كان تنفيذيًا- بل بفعل المرأة الموجهة لتلك القيود خوفًا عليه من امرأةٍ أخرى!! أو غيرةً، وحسدًا، وحقدًا...إلخ.

وبعد التحليل نجد أن المعركة الثلاثية ليس فيها رجل، إنما هي بين المرأة، والأنثى، وجميع النساء.. هي نفسها الضحية، والجاني، والمحامي، والقاضي، والآمر الناهي.. أما الرجل فليس سوى منفذ لما قادته إليه امرأةٌ ضد أخرى بكيدها.

فالرجل لم يكن أبدًا ندًا للمرأة، خلقهما الله تعالى مختلفان مكملان لبعضهما البعض مثل قطبي المغناطيس، لايتساويان بل هما متوازيان متعادلان باتحادهما معًا.