مع جزيل الشكر معاليكم

 

سارة بنت علي البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

يُقال "من لا يشكر الناس لا يشكر الله".. ويُقال أيضًا "وعاش قوم وهم في الناس أموات"، إلا أن هناك من عاش بين الناس وبه صاروا أحياءً.

سكتت الأصوات وخفتت الأضواء ودبّ الصمت ممرات وزارة الصحة وكافة المستشفيات في رحاب سلطنتنا الحبيبة وساد سكون غريب، كيف لا ومن قال: "لن أجازف بأي روح.. لن أجازف بأي إنسان.. الأرواح لا تقدر"، من مضى يشعل شمعة الأمل على مدار السنتين الماضيتين ويطبطب على الجرح ويداوي القلوب الثكلى ويهدهد على أم حزينة وأب مفجوع وطفل باكٍ في أزمة عالمية لم تدع أحدًا في حاله، إنها أزمة كورونا التي ارتاح العالم من مخاطرها الكبيرة منذ بضعة أيام، والحمدلله على انحسارها؛ فقد فقدنا فيها أرواحًا كثيرة وقلوبًا كبيرة.. يقال: إن المعدن في الظروف الصعبة يتجلى، والجوهر نبضه حي دائمًا والشغف والهدف لإتمام مهمة ما والتحدي الذي يتملكنا ونود تحقيق النصر فيه، سننتصر وسنحارب من أجل الوصول والنجاح، وسيكتمل التحدي بوقفة جادة صريحة أمام الحدث وبقائد ملهم الأفكار ثاقب الرؤى وحاد البصيرة.

لقد كان الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة السابق خلال الفترة من 2010 وحتى 2022، شخصية بارزة ومهمة جدا في القطاع الصحي، وكان من المكاسب التي اكتسبها الوطن العظيم؛ فلقد تقلد منصب رئيس جمعية الصحة العالمية للدورة 69، كما تقلد مناصب عدة في وزارة الصحة؛ أهمها: وكيل الوزارة للشؤون الصحية وكبير مستشاري الروماتيزم ونائب المدير العام ومناصب أخرى.

الدكتور أحمد السعيدي لم يكن وزيرًا على ورق، وإنما كان وزيرًا قاوم ودافع ونزل في الميدان وكان له السبق عندما تلقى جرعات اللقاح المضاد لفايروس كرونا قبل الجميع؛ ليكون مثالًا يًحتذى به، وكان حاضرًا في كل قرارات اللجنة العليا التي اختيرت للبحث عن آلية التعامل مع الفيروس، وكان وفيًا وصادقًا ومحبًا وسمحًا ومعطاءً، أعطى وقته وجهده وتفكيره وجل اهتمامه لهذا الوطن ولأبناء هذا الوطن وكان الرجل المناسب في المكان المناسب وكان الأب الحاني الذي لا يبخل على أولاده بالعطاء.

أذكر أنني في عام 2018 ونحن نحتفل بالعيد الوطني التاسع والأربعين المجيد، كنت أرقد في المستشفى، وعلى وشك إجراء عملية، ولكن صوت الواجب أتى ودعيت لأقدم نصًا شعريًا بمناسبة احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد، فما كان مني إلا أن اطلب من الممرضة أن تفتح المغذي الذي ركب في يدي؛ حيث إني استأذنت قبلا من الممرضة للخروج قليلا فخرجت من المشفى وانطلقت لوزارة الصحة ووقفت أمام معالي الوزير وألقيت نصًا وطنيًا في حب القائد وحب الوطن وعندما انتهيت أتى معاليه بكل تواضع وأخذنا نلتقط الصور التذكارية وكان بشوشًا سمحًا مبتسمًا يريح النفس، تنسى آلامك بمجرد رؤية ابتسامته، وقتها اتصلت بي الطبيبة لتسألني: أين ذهبت وقالت: "يجب أن تتحضري للعملية"، فقلت لها: إنني في وزارة الصحة ألقي نصا وطنيا وكلي شرف وفخر لكنني قلت لها سآتي قريبا.

ستفتقدك ممرات وزارة الصحة وطفلة صغيرة مسحت دمعتها ورجل مسن يرى الأمل بعد الله بك وتفاصيل الدقائق التي تسبق كل عملية جراحية وابتسامة الفرح في نجاحها وحبك لعملك وعلى أدائه بأكمل وجه وحب الناس الذي يظهر في النهايات نعم؛ فكم كبير أن تتساقط دموعنا وكم عظيم أن نبكي على رحيلك وكم يعني هذا أنك تستحق هذا الوفاء وأنك أبكيتنا بلحظة خروجك من الوزارة مودعا بيديك.. دعوات لك بطول العمر والصحة والعافية.. دموع المودعين .. كل ذلك يعني الصدق الذي كنا نعيشه معك وبك، ونقاؤك في زمن قلّ فيه الأوفياء فكنت خيرا لنا وتستحق منا أبناء عمان المخلصين كل الشكر والتقدير والعرفان على ما قدمته لأبناء الوطن الغالي.

شكرُا بحجم السماء لكم وليحفظكم الله وأهلا وسهلا بمعالي الوزراء الجدد ولنكمل المسيرة وتدور عجلة الزمن.