السعادة

 

 

سليمان المجيني

أردتُ القول إنَّنا كبشر ننشُد السعادة، وهو أمر بديهي؛ لأن أمراً داخليًّا يشدنا لتحقُّق ذلك، وهو الإرادة الإلهية.. نعم، خُلقنا لنكون سعداء، وهو أمرٌ يغيبُ عن أذهان آخرين، فيستميتون في الأحزان.

كُلنا نستشعرُ السعادة بوجود الخير الذي هو الرحمة التي نستشعرها بيننا، وأننا في أغلب الأحوال نمتن لما هو موجود، هذا الأمر يجعلنا راضين عن محيطنا وما حولنا من موجودات وأحداث قد تكون مُبهِجة أو حتى صادمة، ولعلنا حين نُدرك الخير في مكنون الحدث، نستشعر أننا في حماية قوية ومحيطة بنا أيَّما إحاطة، محيطة بظروفنا، بحركاتنا وسكناتنا، بكل ما يخصنا.

هذا الأمرُ يمُدنا بالقوة التي نحتاجها لمواجهة الأحداث المحبطة أحيانا، أو التي فوق مستوى استيعابنا أحيانا أخرى.. مستوى الخير الذي يُولِّد لنا السعادة العارمة مستوحَى من الداخل، من الإيمان بالقوة الخارقة التي تُضمر لنا ذلك ولو بعد حين، خصوصا مع إيماننا بأنَّ تلك القوة لا تأتي منها سوى السعادة، أما التعاسة فتأتي من الإنسان نفسه، وفي ذلك شواهد يمكن للقارئ بحثها في كتابنا العزيز.

نشعُر بعدم رضا خالقنا من امتعاضنا على الأشياء التي بحوزتنا، والتي تأخذ حيزا كبيرا من أوقاتنا، الأشياء التي نعتبرها قليلة في حقنا وتُدخلنا في مقارنات ظالمة مع آخرين، لا يطرأ على بالنا حينها مقارنات مع فضائل تمَّ منحنا إياها دون حول منا أو قوة، كالنظر في مقابل العمى، والصحة في مقابل المرض... وغيرها من الامتنانات التي لا تنتهي. هذه المقارنات وهذا الامتعاض لا يدلُّ على الرضا بالموجود، والتأقلم معه، والبناء عليه، وإيجاد عالم من السعادة اللامتناهية، في مقابل العمل على تحويل هذه السعادة إلى مُحفِّز للتغيير الذي يأخذ بالأسباب.

ضِمْن إِضْرَاري بنفسي البُعد عن إسعادها، القتامة التي تُصيب المكتئب تُلقي بظلالها على جميع من حوله، وهو ما يُثير غضب الآخرين، ويُظهر جوا ثقيلا على المكان وابتعاد بعضهم، وهي سبب مباشر للآفات النفسية التي تؤول في نهاية الأمر لأمراض عضوية.. إسعاد النفس يكُون بالتقرب إلى الخالق، والإيمان بسيطرته التامة على المحيط والمقدَّرات، والإيمان بكل ذلك ينعكسُ على تصرفات الإنسان، وترك الأمور لتدبيره بعد الأخذ بالأسباب.

السَّعادة أنْ لا تُؤذي نفسك، والله كفيلٌ بحل كل مشكلة قد تقع بها، وهو كفيل بتقديم السعادة إليك، علينا فقط أن نتَّبعه، أن نتوكَّل عليه.. قُربك من الله هو المبتغى؛ لأن به السعادة.

برجاء أنْ لا نفهم السعادة بكثرة الصلاة وتأدية الشعائر فقط، بل بكل شيء حتى بالابتسامة في وجوه الآخرين، والنية الصادقة في الخير، وإشاعة العدل والصدق.

هل أُخبركم شيئًا أنَّ ضمن إحاطتك بالسعادة الدائمة هو آلامك.. فالألم موصل للسعادة؛ لأنَّه يقربك إلى الله، وعندما تكون قريبا منه تشعر بذلك الشعور القوي للسعادة، لا أحد يستطيع مجاراتك.

الشُّعور الداخلي بالسعادة نابعٌ من الداخل لكنه بفعل خارجي، والأفعال الخارجية المسبِّبة لذلك مرتبطة بقدرات غير خارجية، الخالق هو صاحب الفعل ومدبره.. فماذا نخشى بعده؟ بإمكان المسلم أنْ يعيش سعيدا باستمرار، فالسعادة في المسلم كالنبتة التي إن وجدت الرعاية أجادت بثمار يانعة بل لذيذة لا يمكن مقارنتها بشيء آخر، بإمكانه أن يعيش دنياه كما قدَّر الله له عيشته في الجنة، ولكن بشكل أقل بعض الشيء، فالله لم يخلق الناس للشقاء، بل للتقرب إليه وتحقيق السعادة بعبادته، وعبادة الله ليست في الشعائر فقط -كما قُلت- بل هي جزء بسيط، الله ربط العبادة بالحياة ومنافع الناس، المشاركة والتعاون ومساعدة الناس والرحمة والرأفة والابتسامة وغيرها... كلها عبادات.

السَّعادة لا تُشترى بل تُعاش، وأنت المسؤول عن توفير أسباب ذلك، أنت المسؤول عن سعادتك ودورك في المجتمع سوف يُوفر لك ذلك، لا يُمكنك أن تشعر بسعادة كاملة بشراء الحاجيات التي تريدها، بل التي تحتاجها فعلا، عليك أن تَستثمر نفسك في نبش الداخل الكامن لتحيا حياة سعيدة.

تعليق عبر الفيس بوك