الترهل في زمن الرشاقة

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

الوقت هو المال والعملة الحقيقية في حياتنا، وما يمضي من الوقت لا يمكن شراؤه بالمال، لقد أدرك الصينيون أهمية الوقت وطبقوه في حياتهم، لذلك نراهم يعملون ليلًا نهارًا دون كللٍ أو ملل. فالتقدم يتحقق باحترام الوقت واعتباره موردا ناضبا. ينطبق على المؤسسات ما ينطبق علينا كأفراد لذلك فإن وقت المؤسسة يجب أن يخضع للرقابة وتحديد زمن إنجاز كل شيء بما فيه الرد على المكالمات والرسائل وإنجاز العمل.

وخطة دمج المؤسسات تهدف إلى ضبط الإنفاق، والإستغلال الأمثل لموارد الدولة وإزالة الإختلالات بالصلاحيات المتبعثرة بين الجهات المختلفة. ومن المتوقع بعد عمليات الدمج، أن تتفاعل المؤسسات مع مستوى طموح المراجع، من تقليص الإجراءات وتسهليها، وتحسين جودة الأداء، فلا جدوى من الدمج إذا كان إنجاز معاملة واحدة يتطلب شهورًا، أو سنوات دون تحديد سقف زمني للإنجاز بسبب الروتين أو قلة الموظفين أو خروج البعض في إجازات أو تعقيد النظم الإلكترونية. فالإجراءات في المؤسسات الخدمية مازالت متداخلة بعدد من المستويات، جعلت من عملية اتخاذ القرار بطيئًا.

أما المعاملات التي يتطلب تخليصها أكثر من جهة، تقترح بعض الجهات من المراجعين نقل المعاملة ورقيا لتلك الجهة، حتى يضمن إنجازها في وقت أقصر، لأن الربط الإلكتروني بين المؤسسات قد يؤخر إنجاز المعاملة!

والمعاملات التي يعلن عنها بأنها تتم عن طريق البريد المحلي فعليك استلامها شخصيا بعد انتهائها من المحافظة الأخرى فخدمة البريد في هذه الحالة أحادية للإرسال فقط ولا تشمل الإستلام!

يقال: "لا تكن ليّنًا فتُعصر، ولا صلبًا فتُكسر"؛ فالمرونة في المؤسسات مطلب مهم لا يمكن تجاهله، وهاجس الرشاقة أصبح مؤرقًا، وتمًلك البعض اليأس، من مدى جدية إدارات بعض المؤسسات، في التخلص من ترهلات الزمن، وتشوهات في العمل الإداري، ومواكبة عصر الرقمنة، بهندرة الإجراءات، والتخلص من العمليات غير اللازمة؛ أي أن أية عملية لا تضيف قيمة للمراجع أو طالب الخدمة أو ما يسمى بالنفايات في علم الإدارة الرشيقة.

تقوم فلسفة الإدارة الرشيقة على السرعة، ورقمنة وتبسيط الإجراءات، والمرونة في جميع العمليات، وتحسين جودة الأداء، والإنتاج وتقليل العيوب، والتقييم المستمر بهدف التخلص من النفايات (العمليات غير لازمة)، وإنجاز المعاملة تكون في خطوة أو خطوتين على أبعد تقدير.في الإدارة الرشيقة يعد الزبون أو المراجع الحلقة الأهم في العملية ورضاءه غاية، لذلك عند صياغة الإجراءات عادة ما تكون مُوّجهة نحو رفع القيمة التي يحصل عليها طالب الخدمة، وليست وجهة نظر المؤسسة.

وتعتمد الإدارة الرشيقة على وضوح الاجراءات للمراجع والموظف، ومرونة أوقات العمل والإنتاج ، وقدرة المؤسسة على الأداء السريع، التي تتناسب مع متطلبات التغيير والتجاوب مع التحديات، والفرص بأقل تكلفة وجهد. هذا النمط الإداري عكس الإدارة التقليدية التي ترفض المرونة، والتجديد وتتسم بالبيروقراطية البحتة، وتراتبية الوظائف وضرورة مرور المعاملة على أكثر من موظف ومسؤول لإجازتها والتي تنظر إلى المراجع على أنه الحلقة الأضعف (المحتاج للخدمة) بالرغم من أنه يدفع رسوما ليست قليلة لإنجاز المعاملة.

وبعد مرور وقت كاف على ترتيب المؤسسات لأوراقها، بعد الدمج يلزم الاستفادة من التجارب الناجحة لبعض المؤسسات العامة، والخاصة التي نجحت في إدارة أنشطتها، برشاقة متناهية، وتسريع الإنجاز بما يعكس رؤية الحكومة لعمل حكومي رشيق.

إن تأخر المعاملات وضبابية الاجراءات وعدم وجود جهة محايدة تقوم بالرقابة على أداء الأقسام التي تخدم المراجعين وتستقبل شكواهم وتضع حلولًا فورية للمعاملات المتأخرة، سيعمل على خروج رؤوس الأموال المحلية والأجنبية إلى بيئات إستثمارية، تقدم خدمات وحوافز استثمارية جاذبة.

لذلك رشاقة المؤسسات لا تعني تصغير الهياكل فقط، بل عقولا مرنة تستطيع أن تفكر برشاقة وتسعد المراجعين. أفكار رشيقة تستشرف المستقبل بالتحسين المستمر للخدمات..خدمات يمكن للمراجع أن يحصل عليها، بكبسة زر دون الحاجة إلى مسح، كدس من الأوراق لإنجاز معاملة، في جهة تمتلك أصلا نسخ منها.

حتى اليوم، بعض المؤسسات لم تطبق فلسفة الدمج في الإستفادة من زيادة عدد موظفيها وتنوع تخصصاتهم بتسريع من وتيرة خدماتها، ووضع رؤية جديدة تتناسب مع الواقع الحالي والمستقبلي والرؤية الرشيقة، وذلك لغياب القيادات التي تمتلك الأسلوب الرشيق في الإدارة، وعدم اتضاح إجراءات المحاسبية على كل من يؤخر المعاملات ويتسبب في إضرار الإقتصاد.

إن العقول الرشيقة هي وحدها التي تستطيع إدارة المؤسسات لمرحلة تتسم بالتحديات، فلا نتوقع تسريعا من وتيرة العمل. وهناك من يتمسك بالبيروقراطية العقيمة كغاية أسمى من تحقيق التقدم والرفاهية للمجتمع.