أحمد الرحبي
يوصف صمويل مايلز- الضابط في الجيش البريطاني، والذي عمل دبلوماسيًا في العديد من البلدان العربية -وخاصة في سلطنة عُمان- زيارته إلى الجبل الأخضر سنة 1876، الذي أطلق عليه "المارد الضخم"، وهو يشاهده على بعد 40 ميلًا من الساحل، حدوث حالة ماطرة؛ حيث يقول: "لم أكد أرجع إلى كوخي بعد التجول في البلدة، حتى انفجرت عاصفة رعدية عنيفة بالأمطار الغزيرة والبرد دامت لبعض الوقت، تجمع المطر على الهضبة الصخرية العالية حالا في مجارِ المياه، والشلالات الصاخبة التي بدأت بالسقوط على الحيطان العميقة للهوة، مكونة منظرًا بديعًا"، مضيفا بعد ذلك: "أخبرني الأهالي أنهم قد هطلت عليهم مرارا أمطار غزيرة لا بأس بها أثناء الرياح الموسمية في الصيف".
تُشكِّل جبال الحجر والجبل الأخضر النقطة المركزية والأقصى ارتفاعًا للسلسلة الجبلية الكبيرة التي تشكل العمود الفقري لعُمان -وحسب قول صمويل مايلز- مُكثِّفًا هائلًا للرطوبة، تلك التي يضخها بحر عُمان وبحر العرب، وذلك بالنظر إلى أن نسبة الرطوبة العالية في فصل الصيف، تمثل مشكلة كبيرة تعاني منها دول الخليج؛ فهي تجعل الجو خانقًا، إضافة إلى شدة حرارة الشمس، لذلك فإن المناطق الجبلية في عُمان تتيح لها الرطوبة، التي يضخها بحر عُمان وبحر العرب، بأن تنعم بأجواء ماطرة غزيرة، برغم حرارة الصيف الشديدة، في الوقت الذي تختنق فيه، مساحات واسعة من دول الخليج، وأجزاء من المناطق الساحلية العُمانية، بالرطوبة الشديدة.
ولعل ذلك يحدث - في مفارقة عجيبة- بسبب شدة الحرارة في هذه المناطق الجبلية، التي تمثل عاملًا مساعدًا، في خلق حالة من الأجواء الماطرة في فصل الصيف شديد الحرارة في المنطقة، تنتج عن تكونات السحب الركامية التي تنشط في الظهيرات القائضة، ويستمر مفعولها حتى المساء، عند مغيب الشمس وخفوت شدة الحرارة. وتؤدي هذه التكونات الركامية إلى هطول مطري من غزير إلى غزير جدا -حسب شدة الحرارة والضخ العالي للرطوبة- مما يؤدي لحدوث العواصف الرعدية الماطرة، وتدفق السيول الغزيرة، في عدة ولايات، تلك التي تقع في نطاق أحزمة السلسلة الجبلية.
وتنقسم جبال الحجر- التي تعود في تكونها لأربعة أو ستة ملايين سنة لا أكثر- وهي ما زالت حتّى اليوم في حالة نموّ لا تزيد عن ميلمترين سنويًا- في السلطنة إلى جزئين هما جبال الحجر الشرقي وجبال الحجر الغربي يفصل بينهما وادي سمائل، وتتكون هذه السلسلة بجزئيها من 3 أحزمة جبلية، حسب خرائط التضاريس العُمانية.
الحزام الاول: يقع شرق جبال الحجر، ويضم كل من ولايات: قريات، العامرات، دماء والطائيين، سمائل، بدبد، نخل، وادي المعاول، ومرتفعات ولايات السويق، وصحار، ولوى، وشناص.
الحزام الثاني: يقع وسط جبال الحجر، ويضم كلا من ولايات: دماء والطائيين جنوبا، ولاية ابراء، ولاية المضيبي، وسمائل جنوبا، وإزكي، ونزوى، والجبل الأخضر، وجبل شمس، والحمراء، وينقل، ومحضه.
الحزام الثالث: يقع غرب جبال الحجر، ويضم هذا الحزام ولايات: إبراء جنوبا، والقابل، وجعلان، ووداي بني خالد، أدم، ومنح، ونزوى جنوبا، وبهلاء، وعبري، والبريمي.
الحزام الأول تكثر فيه الأمطار المحلية -حسب ما يذكر- عندما تثمر كل أشجار النخيل في منتصف شهر 8 و9 ومنتصف 10، أما الحزام الثاني فتكثر فيه الأمطار المحلية صيفا في أشهر 6 و7، وأما الحزام الثالث تكثر فيه الأمطار المحلية في أشهر 4 و5 و6 و7، وذلك حسب ما تذكره مواقع الطقس العُمانية.
وبالعودة إلى صمويل مايلز مرة أخرى الذي يقول معلقًا على نطاق الزراعة في سيق والشريجة بالجبل الأخضر: "يقوى الظن بأن المدى في السنوات السابقة مكسو بشكل أفضل بالنباتات الشجرية، ودمار الغابات إذا حدث فعلا، والذي شمل سطح الهضبة كلها (هضبة الجبل الأخضر)، فإنه سيعطي المجال التام لقوة تعرية المطر، والتأثير الطويل المستمر؛ لهذا سيكون جرف التربة إلى الوديان في الأسفل".
ما أورده مايلز في الفقرة الأخيرة، يوضح أننا نحن بحاجة إلى جهد التشجير؛ ينفذ بشكل مدروس مستهدفًا المناطق الجبلية والمرتفعات الشاهقة في سلسلة جبال الحجر، فرغم أن زيادة رقعة التشجير ونشر اللون الأخضر، لها فوائد كثيرة، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تأثيرات الاحتباس الحراري، وارتفاع حرارة الجو، وتطرف المناخ، إلا أن للتشجير بالنسبة للبيئة العُمانية، يجب أن يلتزم، من وجهة نظري، بهدف أهم وهو تهيئة المناطق المرتفعة والسفوح الجبلية بغطاء شجري مما يساعد، وفقا للعوامل المناخية والجوية من ضخ رطوبة تستقبله قمم وسفوح سلسلة جبال من الجهتين الشمال (بحر عُمان) والجنوب الشرقي (بحر العرب) واحترار شديد، في خلق فرص أكثر اعتيادا للمطر، أو يساعد في خلق نوع من الاستمرارية في هطول الأمطار في سلسلة الجبال العُمانية.
إن تشجير المرتفعات والسفوح الجبلية، من المؤكد أنه سيكون كمشروع أكثر ضمانة في فوائده للبيئة في البداية، ولتحسين الطقس والزيادة من فرص هطول الأمطار، مقارنة بإنشاء محطات الاستمطار الصناعي، خاصة بالنظر إلى النسبة الضئيلة التي حققتها هذه المحطات في تعزيز الموارد المائية في السلطنة، التي بلغت ما بين 15% إلى 18%، حسب التقارير الإحصائية الصادرة للأعوام الستة الماضية والتي يصل مجموعها (هذه المحطات) 12 محطة استمطار صناعي؛ تنتشر على قمم جبال الحجر، وجبال ظفار، والتي يتولى تشغيلها، مركز الاستمطار الصناعي بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، والذي يعكف ضمن مهامه، على دراسة البحوث والتقنيات الجديدة التي من شأنها تحديث منظومة الاستمطار لجعلها شاملة جميع أرجاء السلطنة.
وللوصول إلى الهدف الأخضر لتشجير المرتفعات الجبلية في السلطنة، على الجهات المسؤولة، إنشاء مشاتل خاصة بالأنواع الشجرية التي تنمو في المرتفعات، في الجبل الأخضر، وجبل شمس، والجبل الأبيض، وباقي المرتفعات الجبلية في مسندم وظفار، وهو ما يستكمل الجهود الحثيثة في السلطنة لزراعة الأشجار، والتي كانت بداية هذه الجهود وانطلاقتها، مع مشروع زراعة المليون نخلة، وهو من المشاريع الرائدة، لما له من نتائج بيئية، ومردود غذائي واقتصادي واجتماعي، وما يتحقق عن هذا المشروع من نقلة نوعية في قطاع زراعة النخيل، ورفع قدرة التمور العُمانية على المنافسة في مجال الإنتاج التجاري للتمور في الأسواق الخارجية.
هذا إلى جانب الجهود الأهلية لغرس الأشجار في البيئة العُمانية، وتنظيم حملات التشجير في كافة محافظات السلطنة، وهي جهود أسفرت عن تشكيل رابطة أو جمعية السدر العُماني - وهي قيد الإشهار- تضم شبابًا من كافة محافظات السلطنة؛ ترتكز مهمتها على زراعة الأشجار البرية العُمانية كافة (أخذت من السدر شعارًا لها) وهي تجمع شبابًا من جميع محافظات السلطنة كوّنوا بأنفسهم مشاتل مصغرة يتم فيها استزراع شتلات السدر والغاف والسمر والشوع والكثير من النباتات البرية، التي لا تتأثر بالحرارة، وتوفر الكثير من استنزاف المياه. بدأت نشاطها في 2017.