صالح البلوشي
ربما من أشهر المواقف التي يتذكرها المواطنون العمانيون للدكتور أحمد بن محمد بن عبيد السعيدي وزير الصحة السابق، دوره ومواقفه في التصدي لجائحة كورونا التي تسببت في وفيات وإصابات كثيرة في سلطنة عمان وبقية دول العالم؛ حيث وقف امتثالًا للتوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المفدى- أيده الله- كالطود الشامخ في مواجهة هذه الجائحة، وكان الصوت الإعلامي البارز فيها من خلال تصريحاته في المؤتمرات الصحفية الأسبوعية للجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (سابقًا).
وما زال المواطنون يتذكرون عبارته الشهيرة التي كان يكررها دائما: "الرجاء كل الرجاء"، وكذلك العبارة التي اشتهرت عنه: "لن أخاطر بصحة أي مواطن عماني مهما كان النقد والهجوم". وقد كان الدكتور أحمد السعيدي متحدثًا مفوهًا، وساعدته لغته القوية في توصيل رسائله بشكل فعال إلى المجتمع، كما إنه كان يمتلك "كاريزما" مميزة.
لكن هناك جانبًا ربما لم يتعرف عليه الكثير عن شخصية الدكتور السعيدي؛ فقد كان مثقفًا وقارئًا من الدرجة الأولى، ومهتمًا كثيرًا بدور وسائل الإعلام في التوعية الصحية، وإبراز جهود وزارة الصحة وإنجازاتها. وأذكر أنني عندما التقيتُ به للمرة الأولى فاجأني بثقافته العالية جدًا، واهتمامه بالجوانب الفكرية المختلفة، وإلمامه بمختلف التيارات الفكرية في العالم، حتى إنه ذكر لي اسم كتاب عن إحدى الحركات الإسلامية الكبرى في العالم العربي، لم أكن قد قرأته أو حتى سمعت عنه رغم اهتمامي بهذا المجال، وقد حرصت بعد خروجي من مكتبه على البحث عن الكتاب واقتنائه ثم قراءته، ووجدته كما ذكر بالضبط.
وأذكرُ أنه طلب مني يومًا كتابًا للمفكر اللبناني علي حرب، واندهشت من معرفته بهذا المفكر، ثم علمتُ أنه التقى به قبل يومين فقط في جلسة فكرية لمدة ثلاث ساعات كاملة! وذلك أثناء وجود المفكر اللبناني في مسقط لإلقاء محاضرة في الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في سنة 2016. وقد أشار علي حرب إلى هذا اللقاء في حوار مع موقع "مؤمنون بلا حدود" بتاريخ 11 يونيو 2021؛ حيث قال: "لقد التقيتُ، في شهر يناير من العام 2016، أثناء زيارتي مسقط، وزير الصحة العُماني الدكتور أحمد بن محمد السعيدي، الذي هو طبيب وليس مثقفًا محترفًا، وقد فاجأني بقوله لي إنَّه تعرَّف إليَّ عبر كتابي ’نقد الحقيقة‘؛ الذي لفت نظره بعنوانه، واستدرجه إلى قراءته". وقد وصف علي حرب هذا اللقاء قائلًا: "بطبيعة الحال كان الوزير صاحب عقل منفتح، وعلى عكس المثقفين الذين تحكَّمت في نظرتهم إلى أعمالي مسبقاتهم الماورائيَّة أو السحريَّة حول الحقيقة، بل الديكتاتوريَّة، وليس عجبا أن يحصدوا كلَّ هذا الاستبداد، بعد أن ختمت على عقولهم أفكارهم المغلقة وثوابتهم المعيقة".
كما كان وزير الصحة السابق من المتابعين لملحق "شرفات" الثقافي الذي يصدر في جريدة عُمان، وقد سألني مرة عن عدد قد فاته بسبب السفر، فأرسلته إليه، وكذلك كان متابعًا جيدًا للمقالات الفكرية والثقافية حتى إنه كان يناقشني في بعض مقالاتي، وقد فاجأني مرة بسؤال حول عدم كتابتي لعمودي الأسبوعي في تلك الفترة بجريدة الرؤية وأجبته: "بسبب الإجازة".
أما عن الجانب الإعلامي؛ فقد كان الدكتور أحمد السعيدي مهتمًا بالاطلاع على كل ما يكتب عن وزارة الصحة؛ سواء في الصحف الورقية أو الإلكترونية وفي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وكان يركز كثيرًا على المقالات النقدية التي تنتقد بعض الخدمات التي تقدمها الوزارة، وكان يحرص أحيانًا -شخصيًا- على زيارة هذه المواقع، والاطلاع على مواقع القصور ومعالجتها.
لقد كان الدكتور أحمد السعيدي وزيرًا وإنسانًا وطبيبًا ومثقفًا، وقد يتفق أو يختلف معه الكثير في بعض التفاصيل، ولكن لا أظن أن هناك أحد منا يشك في إخلاصه واجتهاده في العمل، ونتمنى كل التوفيق لمن نال الثقة السامية بتعيينه وزيرًا للصحة وهو معالي الدكتور هلال السبتي، ولا شك أنه سيُكمل مسيرة الإنجازات الصحية في سلطنة عُمان؛ فهناك كثير من الملفات التي يرى المواطنون أنها بحاجة إلى معالجة سريعة، ونتمنى له كل التوفيق في ذلك.