ماء وغريق!

 

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

مضى يغترف من النهر بيديه، وآخر يلتقط له صورا أخيرة ويوثق لحظته الأخيرة التي قاربت على الإنتهاء. مدّ يده في سلام جميل ليسلّم على هذه الدنيا بما لها وما عليها، وتنزلق رجلاه وكأن شيئا ما يشدّه إلى هناك.. حيث المجهول والعالم الغريب الذي نكاد نجهله ليبعث للجميع رسالة أخرى عنوانها : الماء والغريق!

شمّروا عن سواعد الجِدّ، وركبوا البحر ككل مرةٍ كانوا فيها واثقي الخطى، إلا أن خطاهم هذه المرة قادتهم للموعد الأخير وللسيناريو الأفضع وللنهاية الحزينة ولوجه الغياب.

ليست المرة الأولى التي يطلب فيها النهر الجارف قربانًا له، لكن- فوزي- الرجل الصالح كما سمعنا عنه يحفظ القرآن الكريم في قلبه وروحه وعقله. كان القربان الأثقل من نوعه، والذي يشرف النهر ببهاء قلبه ونقاء سريرته وحسن سلوكه؛ ليبدأ الإثنان في حديث آخر في ذهول وحيرة وتعجب واغتراب.

النهر: أهلا بك هنا.

فوزي: من أنت؟!

النهر: ألم تكن تدري أني عطشان وأن قلبك العامر بالإيمان يكفيني ويسد عطشي.

فوزي: هل تعتقد أنك ستهدأ بعد أن تقضي عليّ؟!

النهر: وهل النهر يهدأ؟!

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر سقوط فوزي الرجل الإمام الصالح في نهر تركيا الجارف. وكان الجميع يحاول أن يضع سبقا صحفيا؛ فبين عارض للحظة الأخيرة، وبين طالب للدعاء وبين مغرد يطالب بتكثيف الجهود المبذولة للبحث عنه وإخراجه حيا، ولكننا نصدق قلوبنا ونكذب عقولنا التي تقول: "عندما سحب النهر فوزي، ارتطم رأسه بالأحجار الكبيرة التي تصطف على طيلة النهر" مُشكِّلة لوحة فنية أخرى من صنع الله وكان فوزي في سلام دائم؛ حيث أنهار الجنة العذبة يغترف منها؛ فمن كان مع الله دائما فالله معه في السر والعلن. ولعل النهاية الحزينة التي نراها هكذا قد تكون البداية ومدخل العبور لجنة عرضها السموات والأرض التي تفتح أبوابها من بعيد، مرحِّبة بفوزي، ومحتفلة مع صوت النهر واستقبال حفيّ به يليق بمقامه الكريم عند الله.

أما السلطات التركية فتقول: "كيف لي أن أوقف النهر لأُخرج فوزي من الجنة؛ فهناك تيارات قادمة لترفع فوزي لأعلى الجنان. سأعاود البحث بعد شهر من الآن ليكون فوزي قد وصل بسلام، وارتاحت روحه الطاهرة، وسعدت بلقاء مولاها، ولكننا نوحد الدعاء لعل فوزي يخرج من النهر ليعود إلى جنة أهله وذويه المترقبين لخبر يعيد بسمة الحياة لقلوبهم النابضة بأمل العودة القريبة وأمل الرجوع.

أما (علي وسالم) الذين خرجا من بيوتهم باتجاه البحر وزرقته، وركبا الموج بقوته في حديث آخر من البحر..

البحر: وهل تعلمون مدى قوتي؟!

سالم وعلي: إلا أن قوة الله أكبر.

البحر: ونعم بالله لكنني هائج. وأنتما تخطيتما كل الحدود!

سالم وعلي: ليس هناك حدود أمام قوة الله.

اللوم لا يفيد ولكنه رسالة لكل مرتادي البحر وصائدي الأسماك: "إن المجازفة بالروح في ليلة كانت تحمل من الرياح القوية الكثير، هو موت آخر، ورسالة انتحار ويجب عليكم الحذر والتوخي وعدم تعريض أهلكم وذويكم لهكذا مواقف؛ أيعقل أن عقلكما قد غاب وركبتما البحر في يوم كانت فيه الرياح قوية، وأمواج البحر تتلاطم ببعضها في تحدّ غريب معه ولو لم أكن موجودة في محافظة الشرقية لن أكون أعلم ذلك الوضع؛ فقلد كانت الرياح عاتية وتهب بقوة وتقضي على كل ما يواجهها هذا على اليابسة؛ فكيف وأنتما في البحر؟ ولكن نسأل الله لكما السلامة والعودة، وأن تقر عين أحبتكم بكم وعيون المواطنين الذين لا يكلّون من البحث رغم خطورة الوضع. نطالب بتكثيف الجهود المبذولة للبحث عن المفقودين لعل بخبر يعيد بصيص الأمل لقلوب أحبتهم وذويهم وعمان أجمع.

فلنوحّد الدعاء لعودة المفقودين (فوزي، سالم، علي)، ولنبذل كل الطاقات الممكنة وأقصاها، ولنكثف الجهود المبذولة للبحث عنهم في عباب الماء.

حفظكم الله وأعادكم لأحبابكم ورعاكم (أبناء عمان المخلصين).