حاتم الطائي
على مرِّ العصور والحقب الزمنية المختلفة، وبفضل الموقع الجغرافي الذي يتوسط أكبر قارتين من حيث الموارد الطبيعية وعدد السكان؛ آسيا وأفريقيا، وبحكم البحار المفتوحة على واحد من أكبر المحيطات في العالم؛ المحيط الهندي، والتنوع الثقافي والجذور الحضارية الضاربة في عمق التاريخ؛ فقد كان لعُمان دائمًا موقع الريادة في العديد من المجالات، وخاصة في أعالي البحار، حتى لُقِّب العمانيون بـ"أسياد البحار"، لقبًا مستحقًا، عطفًا على الإنجازات البحرية التي سطّرها العمانيون، سواء في مجال اكتشاف الأراضي الجديدة في كل الاتجاهات، أو في ابتكار وسائل وسنن بحرية تساعد البحّارة على مخر عباب البحار بكل جسارة وهيبة منقطعة النظير، فهم أحفاد أحمد بن ماجد، وهم نواخذة المحيط الهندي الذين عبروه وواجهوا أعاصيره وأنواءه.
ولقد أدرك العمانيون منذ قديم الزمن، حتى قبل الميلاد، أهمية العمق الاستراتيجي لدولتهم، وكيفية الاستفادة من الموقع الفريد والإمكانيات اللامحدودة؛ فأسسوا لحضارة قائمة على تحقيق المصالح لجميع الشعوب، حضارة آمنت بحق الإنسان في الازدهار الاقتصادي، والتنمية، وأروع مثال على ذلك الحضارة العمانية التي تأسست في شرق أفريقيا، في زنجبار (التي هي اليوم جزء من جمهورية تنزانيا) وما حولها. وقد بدأ الوجود الرسمي العماني في تلك المنطقة، تقريبًا خلال القرن السابع عشر، بعدما تمكن العمانيون من طرد البرتغاليين من عُمان والخليج العربي والهند، ثم طاردوهم في شرق إفريقيا، فحققوا انتصارات، ثم بدأوا في إعمار تلك المناطق، وخاصة في القطاع الزراعي، الذي شهد طفرة حقيقية، وبدأت صادرات أفريقيا من الحاصلات الزراعية تتزايد بفضل السواعد العمانية التي حرثت الأرض وعمّرتها. وفي خضم هذه التطورات، نجح السلطان السيد سعيد بن سلطان في القرن التاسع عشر الميلادي في بناء الإمبراطورية العمانية، محققةً ازدهارًا اقتصاديًا، وتنمية واسعة، بالتوازي مع نشر مبادئ الحضارة العمانية والعادات والتقاليد الأصيلة، القائمة على السلام والمحبة والتسامح وحب الخير. لذلك لم يكن الوجود العماني في شرق أفريقيا استعمارًا، ولم يقم على أسس ودوافع عسكرية؛ بل كان وجودًا اقتصاديًا في المقام الأول.
نقول ذلك وفخامة الرئيسة سامية صولوحو حسن رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة تزور سلطنة عُمان، تستمر لمدة 3 أيام، من المقرر أن تلتقي خلالها بحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- علاوة على الالتقاء بعدد من كبار المسؤولين في الدولة، وستشهد الزيارة كذلك بحث العديد من مجالات التعاون، على رأسها التعاون الاقتصادي والثقافي.
ومثل هذه الزيارة تُبشِّر بمستقبل اقتصادي أكثر ازدهارًا بين عمان وتنزانيا؛ حيث إن الفرص الواعدة بين البلدين تتوافر في العديد من القطاعات، وعلى رأسها القطاع اللوجستي؛ فالبحار المفتوحة بين البلدين تتيح لهما تعزيز حركة التجارة البينية، فضلًا عن إمكانية الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لعُمان، خاصة فيما يتعلق بعمليات إعادة التصدير، للبضائع القادمة من الهند والصين ودول شرق آسيا، وتوجيهها نحو الشرق الأفريقي، الذي يمثل سوقًا رئيسًا يضم عشرات الملايين من السكان، ما يعني فرصا هائلة لا محدودة من النمو في مجالات عدة. ومن المؤمل أيضًا أن تشهد الزيارة بحث التعاون في مجالات التصنيع وسلاسل الإمداد، اعتمادًا كذلك على الموانئ العمانية المتطورة للغاية، والجهود العمانية الحثيثة لتطوير البنية الأساسية لقطاع الموانئ في تنزانيا، وخير مثال على ذلك دور جهاز الاستثمار العماني في ميناء مانجوبواني بزنجبار؛ حيث يعمل الجهاز على تنفيذ الميناء في الوقت الراهن، بعد الانتهاء من المراحل الإجرائية، كما يعكف الجهاز على إعادة تأهيل وتطوير ميناء ماليندي والمناطق المجاورة له. كل ذلك يؤكد الحرص العماني على توطيد العلاقات الاقتصادية مع جمهورية تنزانيا المتحدة. كما يمكن فتح مجالات التعاون الاقتصادي، لتشمل القطاع الزراعي؛ فالعالم الآن يبحث عن مصادر آمنة ومستدامة للغذاء؛ حيث يمكن للبلدين التعاون في زراعة الأراضي الخصبة في جمهورية تنزانيا، ومن ثم تعزيز الأمن الغذائي في كلا الدولتين؛ بل وتصدير الفائض إلى الدول الأخرى، فتعم المنافع الجميع.
ويبقى القول.. إن آفاق التعاون الاقتصادي بين سلطنة عُمان وجمهورية تنزانيا، وشرق أفريقيا بوجه عام، تُبشر بنمو حقيقي تستفيد منه الدولتان، ارتكازًا على الماضي التليد والتاريخ المشترك، واستشرافًا للمستقبل الواعد.