فايزة سويلم الكلبانية
لا أحد يُنكر حجم الضغوط الاقتصادية التي مرَّت- وما زالت تمر- بها فئات مُجتمعية عديدة، بسبب ما خلفت جائحة كورونا من تداعيات تزامنت مع انخفاضات كبيرة في أسعار النفط ومن ثم تراجع الإيرادات العامة للدولة؛ الأمر الذي أثر سلبياً على كل الأنشطة الاقتصادية، ولا شك أن أقسى هذه الضغوط تعرض لها عدد من العاملين في القطاع الخاص، والذين أُنهيت خدماتهم نتيجة للكساد الذي ضرب المؤسسات، ووضع الكثير منها أمام معضلة الديون والنقص الحاد في السيولة.
فئات أخرى من المجتمع، واجهت مشكلات اقتصادية، نتجت عن ارتفاع الضرائب والرسوم المفروضة على الخدمات، ما شكّل عبئًا كبيرًا عليهم، دفع بهم إلى ترشيد الإنفاق، وهو ما أثّر بدوره أيضًا على الأنشطة الاقتصادية وزاد من حالة الكساد.
لكن ومع تحسن الأوضاع، وانحسار الوباء وزيادة عائدات النفط، وبدء تسجيل فوائض مالية، وما صاحب ذلك من توجيهات سامية وقرارات من مجلس الوزراء بإطلاق حزم تحفيز اقتصادي وتقديم سبل الدعم المختلفة لأصحاب المشاريع، لا سيما الصغيرة والمتوسطة، تولّد الأمل، وأخذت الغمة الاقتصادية في الانقشاع تدريجيًا، وبدأت عجلة الإنتاج في الدوران مجددًا بكامل قوتها، على الأقل في القطاعات الحيوية، وعم التفاؤل المجتمع بأسره بأنَّ المستقبل القريب يحمل الخير، وأنه خلال شهور سيتعافى الاقتصاد، وتتحسن أوضاع المواطن، في تحول إيجابي ومؤثر على الساحة الاجتماعية.
المُبشر في أرقام الميزانية العامة للدولة التي تكشفها وزارة المالية بصورة شهرية وفصلية، أن الفوائض المالية- ولله الحمد- آخذة في الزيادة، كما إن قدرتنا المالية على سداد الدين العام تتعاظم، وهو ما دفع مؤسسات التصنيف الدولية إلى تعديل تصنيف السلطنة ومنحها نظرة إيجابية. وتوازى مع ذلك إعلان الجهات المعنية أنه سيتم توجيه الفائض المالي في تعزيز التعافي الاقتصادي، والذي غالبًا ما يتم تحديده بزيادة الإنفاق على المشاريع الإنمائية ذات الأولوية، إلى جانب خفض مستوى المديونية العامة للدولة. لكن يظل المجتمع يترقب إنشاء مشاريع جديدة وإنعاشا اقتصاديا يشعر به المواطن، من خلال توفير وظائف للباحثين عن عمل وزيادة حركة السيولة في الأسواق، وتخفيف شروط الحصول على قروض، لا سيما التمويل العقاري، وغيرها من الإجراءات التي تلامس المواطن مباشرة وتمنحه الشعور باختلاف الأوضاع وتحسنها. فعادة لا يشعر المواطن بالتحسن الذي يطرأ على مؤشرات الاقتصادي الكلي أو حتى المالية العامة، فالمواطن يعنيه في نهاية الأمر لقمة عيشه ورزقه وتحسين دخله.
ومن منطلق تعزيز ثقة المواطن، فإنَّ الكثيرين يأملون حدوث تغيُّرات سريعة في واقع حال معيشتهم، وأيضًا العمل على النهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الدعم والرعاية لرواد الأعمال.
لا شك أن دول العالم تتجه في الوقت الراهن للتركيز على تعزيز النمو الاقتصادي بمفهومه الشامل، وليس فقط تعديل الإحصاءات والمؤشرات، وذلك لن يتحقق إلا من خلال تعظيم مساهمة مختلف القطاعات الاقتصادية في هذا النمو، وضخ المزيد من الاستثمارات في المشاريع القادرة على توظيف أكبر عدد من الباحثين عن عمل، وكذلك التحول نحو مشاريع الأمن الغذائي والمشاريع التي تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحسين مستوى المعيشة للأفراد.
وهنا أضربُ مثلًا بالقطاع اللوجستي، الذي يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في النمو الاقتصادي، بفضل الموقع الاستراتيجي لعمان على خطوط الملاحة الدولية، وما تملكه من مقومات وبنية أساسية متطورة قادرة على النهوض بهذا القطاع. أيضًا علينا أن ندعم الجهود الرامية لتعزيز مكانة الموانئ العمانية في مجال إعادة التصدير.
ومثل هذه الخطط الرامية لتحقيق نمو اقتصادي شامل ستحقق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، والتي تطمح لها السلطنة وتسعى إليها من خلال رؤيتها المستقبلية "عُمان 2040".
ويبقى الأمل معقود بصورة أكبر على تحرك الحكومة ومؤسساتها المختلفة من أجل تخفيض الضرائب على القطاعات الإنتاجية، وتقديم إعفاءات ضريبية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال رفع سقف الإعفاء، بجانب العمل على خفض الرسوم، التي تكبّل هذه المؤسسات من النمو، مع التوسع في برامج التدريب المقرون بالتوظيف وتأهيل الموارد البشرية الوطنية، كي تتمكن من مواكبة متطلبات سوق العمل، عندئذٍ ستدور مختلف تروس المنظومة الاقتصادية، ونتحوّل نحو النمو المنشود.