في الذكرى 55 لهزيمة 1967

متى نتعلم فلسفة الحروب ودروسها؟

 

د. رفعت سيد أحمد

في مثل هذه الأيام قبل 55 عامًا تعرضت مصر لحرب شرسة نتج عنها ضياع سيناء والتي تمثل خُمس مساحة الدولة المصرية، فضلاً عن تدمير لوحدات كاملة من الجيش المصري وعشرات الطائرات؛ نتيجة لمؤامرة دولية وإقليمية وأيضًا وبالأساس نتيجةً لأخطاء في قيادة الحرب والتخطيط الصحيح لها.

وكشفت الوثائق الجديدة التي خرجت من أمريكا وإسرائيل قبل عدّة شهور، تعدّد أسباب الهزيمة والتي بالتأكيد- ورغم وجود المؤامرة- لا تعفي النظام السياسي آنذاك من المسؤولية، ولا تجعلنا نؤمن بأنها كانت "نكسة" وفق المصطلح الذي أشاعه وقتها العبقري محمد حسنين هيكل؛ بل كانت هزيمة في معركة غير متكافئة. وسرعان ما استعد لها جيش عبد الناصر برجاله العظام وقتها (الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، وإبراهيم الرفاعي، والفريق محمّد فوزي، وغيرهم)؛ ليثأروا بعدها سريعًا في حرب الاستنزاف (1968 -1970) ثم في حرب النصر 1973.

في مثل هذه الأيام قبل 55 عامًا وقعت الحرب الدامية إذن... والتي أفقدت العرب الأرض والبشر والدور، وهُزِم عبد الناصر.. ذلك الزعيم الاستثنائي في تاريخ العرب، بعد مسيرة حافلة من العطاء القومي والثوري الذي هزًّ العالم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وغيّر من خرائطه. تآمرت على "الزعيم" قوى الغدر وما أسماه هو آنذاك بـ"الرجعية العربية" و"الإمبريالية العالمية"؛ لتدفعه إلى الانزواء والموت البطيء على المستوى الشخصي (حين أصابه المرض ومات بعد تلك الهزيمة بثلاث سنوات)، وعلى المستوى الحركي القومي حين تراجع دور مصر وتقدّمت دول أقل قيمة وقامة إقليميًا وعالميًا. يومها حاول بعض كبار الإعلاميين والسياسيين التقليل النفسي من فعل الهزيمة؛ فأسموها- كما أشرنا- "نكسة" وهو لفظ أقل بكثير مما جرى على الأرض من هزيمة مُؤلمة، والتي ثبت لاحقًا- وبالوثائق- أن عبد الناصر لم يكن المسؤول الوحيد عنها وأن ثمة مسؤولين عسكريين (عبد الحكيم عامر وشركاؤه) الذين علموا بموعد الحرب من عبد الناصر نفسه ومن أجهزة مخابراته وقبل ضربات الطيران الإسرائيلي بعدة أيام، لكنهم- أي عامر وشركاؤه- لم يجهّزوا أنفسهم وجيشهم ومطاراتهم للحرب. بل كانوا مشغولين بثنائية السلطة وباللهو والإفساد الأخلاقي بدلا من القيام بالدور الوطني والقومي لبلادهم!

وكانت هناك أيضًا المؤامرة الدولية التي جاءت لتؤكد تعدّد أسباب الهزيمة.

على أية حال، لكي نعرف حجم ونوعية ما جرى في العام 1967 في مثل هذه الأيام وحتى لا تتكرّر في بلادنا العربية المبتلاة الآن بالإرهاب الداعشي؛ بحرب جديدة شبيهة بحرب 1967 علينا أن نوثّق ما جرى باعتباره خسارة لمعركة وليس هزيمة في حرب، وأيضًا ليس مجرّد نكسة صغيرة كما حاول بعض إعلاميي النظام تصويرها آنذاك. يحدّثنا التاريخ أنَّ الطلعات الجوية المباغتة للطيران الإسرائيلي في اليوم الأول لحرب 1967 وما خلّفته من تدمير لسلاح الطيران العربي حسمت المعركة، وأصبح بمقدور هذا الجيش- للأسف- تنفيذ مهامه العسكرية بسهولة وكانت الخسائر العسكرية والبشرية العربية مؤلمة للغاية حيث قتل من الجيوش العربية حوالي 25 ألف شهيد مقابل 800 قتيل إسرائيلي، أما جرحى الجيوش العربية فاقترب عددهم من 45 ألف جريح مقابل 2500 جريح إسرائيلي. أما الأسرى العرب فوصل عددهم داخل السجون الإسرائيلية إلى حوالي 5 آلاف أسير استُخدِم بعضهم كفئران تجارب كما وثّقت ذلك تقارير المنظات الحقوقية، أما أسرى الجانب الإسرائيلي فلم يزيدوا عن 20 أسيرًا.

ولم تتوقّف الخسائر عند هذا الحد وإنما أجبرت تلك الهزيمة التي مُنيَ بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي بالضفة الغربية وقطاع غزّة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلة والسويس) على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة تضاف إلى مشكلة اللاجئين الذين أُجبروا على ترك منازلهم عام 1948. كما أجبرت قرابة 100 ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا.

وشملت النتائج أيضًا احتلال مساحات كبيرة من الأرض، الأمر الذي زاد من صعوبة استرجاعها حتى الآن كما هو الشأن في كل من فلسطين وسوريا.

على أية حال تقول الحقائق المرة أيضًا إنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها كانت إسرائيل تحتل 61948 كم2 هي مساحة شبه جزيرة سيناء، و1158 كم2 في هضبة الجولان السورية، والقدس الشرقية بمساحة 5878 كم2، وقطاع غزّة 363 كيلومترًا مربعًا؛ ما يعني أن إجمالي الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967  الإجمالي 69347 كيلومترًا مربعًا.

وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948 وأقامت عليه دولتها (20700 كلم2) يتضّح أن هزيمة يونيو أضافت لإسرائيل ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف من مساحتها التي كانت عليها يوم الرابع من يونيو 1967.

هذه الأراضي التي أضيفت للكيان الصهيوني ساهمت- ولا شك- في تقوية وتحسين أوضاعه العسكرية والاقتصادية حيث بها ثروات مائية ونفطية وآثار تاريخية وغيرها، كل هذ يعني، في التحليل الأخير، إنها لم تكن مجرّد نكسة بل هزيمة ولكنها أيضًا.. كانت هزيمة مؤقتة سرعان ما تم الثأر لها وهو ثأر نحسبه لايزال قائمًا ومطلوبًا من كل قوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا وغيرهم.

وحتى لا نفاجأ بحرب 1967 جديدة سواء بواسطة الأعداء مباشرة أوعبر أدواتهم من الجماعات التكفيرية الداعشية التي أدمت مصر في سيناء وأدمت سوريا على كامل جغرافيتها خلال السنوات العجاف للربيع العربي الزائف تلك، فإن أهم ما يتوجّب عمله سوريًا ومصريًا حتى لا تتكرر هزيمة 1967 بأشكال وأدوات جديدة هو أن تلتقي إرادة الوحدة والتحالف بين دمشق والقاهرة مجددًا، بعيدًا- وبالرغم من- الابتزاز الغربي والإقليمي. لماذا؟ لأن العدو ما زال واحدًا رغم تباعد الزمن ورغم الإرهاب المنتشر الآن في كلا البلدين، ومن يقف خلفه من قوى إقليمية ودولية، إلا أحد تجليات هذا العدو، وهو- أي الإرهاب- يخدم بالأساس على استراتيجية العداء التاريخية تجاه مصر وسوريا عبر تمزيق وحدتهما وجيشيهما.

 

إننا وفي الذكرى الـ55 لحرب 1967، نعيد التأكيد على أن الأمن القومي العربي وبالذات في مصر الذي يحميه الجيش والشرطة والشعب في ثلاثية تماسك ذهبية ستمنع بإذن الله تكرار سيناريو حرب الأيام الستة تمامًا.

إن هذا الأمن القومي العظيم يبدأ من القاهرة ليصل إلى كل العواصم العربية في وحدة مصير نرجو أن تعود لنستحق وصف الحق سبحانه وتعالى لنا.

"كنتم خير أمة أخرجت للناس".. صدق الله العظيم.