ثقافة التنمر على المسؤولين.. إلى متى؟!

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

 

يجب أن نتفق قبل كل شيء أن أي مسؤول يتم تكليفه لمنصب حكومي؛ سواء كان يحمل حقيبة وزارية أو أي منصب آخر، هو في المقام الأول مواطن تم اختياره من قبل جهات مختلفة وحتماً سيتم مراقبته ولديه أجندة يعمل على ترجمة الأهداف التي من خلالها وصل إلى هذا المنصب، ويجب أن نتفق أيضًا أن هذا المسؤول وصل إلى هذا المنصب لكي يخدم البلد وأنه يعمل وفق إطار ومنظومة عمل وفق إمكانياته المهنية والموازنة المالية التي ينطلق منها في تنفيذ رؤية المؤسسة التي يعمل فيها.

هذا المسؤول في منصبه يجتهد، وقد يصيب أو يخفق، فإن أصاب فله من كل الثناء والتقدير وإن أخفق فهناك جهات ستقوم بتقيم مستوى أدائه، ولا يحق لنا كجمهور أن نقحم أنفسنا في مهاجمة أي تصريح بدر من مسؤول بشكل سلبي دون أن نكون مطلعين على تفاصيله. وأنا أتناول هذا الموضوع أعلم يقينا أن هناك من سيختلف معي وهناك سيؤيدني، ويبقى دائمًا باب الحوار مفتوحًا، وإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

ينتابني هذا الشعور عندما أتابع التنمر على أي تصريح لمسؤول ويعكس في تقديري تدني المستوى الفكري لدى البعض في تعاطيهم مع تصريحات المسؤولين، وأرى أنه يأخذ حيزا كبيرا ويستقطع جزءا كبيرا من أوقاتنا كان من المفترض أن نستغل هذا الوقت في طرح الحوار الجاد في منصات التواصل الاجتماعي ونناقش القضايا التي تعود بالنفع على المجتمع ونقدم مقترحات بناءة دون استخدام ألفاظ التنمر على المسؤولين في شبكات التواصل الاجتماعي.

أجزم أن بعض الردود التي تتداول من قبل المغردين تعقيباً على تصريحات المسؤولين في منصات التواصل تتسم بالهجوم غير المبرر على المسؤول ويبقى محور النقاش في هذه الحالة بلا طعم وبلا رؤية، وأيضا بلا هدف.

طبعًا أعني هنا الحوار الذي يتغلف بالضبابية وبالسوداوية ويثيره البعض في أطروحاتهم دون أن يكون لديهم أدنى أبجديات الفكر والنقد البناء الذي ينشده الجميع لأنه نقد يبحث عن التغيير ويقدم حلولا جوهرية ومنطقية ويطرح أفكارا خلاقة ونيرة تساهم في مد جسور التعاون بين أبناء المجتمع.

في الوقت الذي تشتد لغة الحوار بين المتذمرين نرى في المقابل المخططين يمضون في ترجمة أهدافهم إلى واقع فعلي دون الالتفات إلى الوراء؛ بل يمضون نحو الأمام بثبات وبإخلاص في تأدية واجبهم دون كلل أو ملل.

حقيقة لم أكن أود الخوض في هذا الموضوع ليقيني أن الحوارات التي تثار في شبكات التواصل الاجتماعي وفي هذا الفضاء الواسع تبدأ بلغة حادة وتبقى هذه الأطروحات عالقة بلا قيود كونها لم تقدم الحلول الجذرية والمنشودة.

أنا من أشد المؤيدين لتنظيم جلسات حوارية تطرح ويتم مناقشة المسؤولين حول بعض الأفكار الإيجابية التي تعود بالنفع على الوطن والمواطن، هذه الحوارات الإيجابية جديرة بأن تحترم لأنها تنطلق من أرضية صلبة وتضع المشكلة وتبحث عن الحلول وعادة ينتهي الحوار بقناعة تامة بالنتائج محور النقاش حتى وإن لم يؤخذ بها ولكنها تنطلق من مبدأ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

جميل جدا أن تكون الآراء في حواراتنا متباينة وتنطلق من مبدأ العلم بالشيء وحتى وإن تفاوتت الأطروحات يظل النقاش بعيدا عن اللغة السوداوية والتنمر هذه اللغة التي وللأسف الشديد هي المهيمنة على واقعنا الاجتماعي.

علينا أن ننظر حولنا لنرى كم نحن سعداء إننا نعيش في بيئة تستمع إلى الرأي والرأي الآخر، هذه البيئة التى أعطت ومنحت المتحاورين السبل الكفيلة لطرح ومناقشة القضايا التي تعود بالنفع على المجتمع. وعلينا أن نغرس لغة الإيجابية في نقاشاتنا فهذا الجيل حساس يتأثر بمن حوله وبما يناقش من قضايا اجتماعية وغيرها علينا أن نؤهله للبناء والتعمير وليس للحوار الذي يحتدم بالسوداوية وبفكر هش ورؤية ضيقة.

وختامًا.. الجيل القادم يجب أن يقف على أرضية صلبة وينغمس في حب العمل ويحمل شعاع التنوير؛ لأنه باختصار طاقات ستحدث التغيير بشرط أن تتمسك بلغة الحوار البنّاء.