الفقراء والمجتمع

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

أكثر ما يزعج الأمة العربية والإسلامية في زماننا الحاضر هو صعوبة الحياة، فهي لم تكن كما كانت في زمن الآباء والأجداد، في ذلك الزمان كان الجميع يتقاسمون لقمة العيش فيما بينهم، أما اليوم فهناك صعوبات كبيرة يواجهها الكثير من أبناء المجتمع العربي والإسلامي، ومن تلك الصعوبات تفاقم مشكلة الفقر الذي قال عنه سيد الأنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اَلْفَقْرُ أَشَدُّ مِنَ اَلْقَتْلِ"، وقال عنه أمير المؤمنين وسيد العارفين الإمام علي بن أبي طالب: "لَوْ كَانَ اَلْفَقْرُ رَجُلاً لَقَتَلْتُهُ".

ومشكلة الفقر عالمية، وتعد من أهم التحديات الاجتماعية التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية، والمتأمل جيدا لأحوال العالم اليوم يجد أن مشكلة الفقر باتت تؤرق الشعوب، وتزيد من معاناتها، فهي مشكلة يجب الوقوف عندها بحسم وعزم، لتحقيق المساواة بين الشعوب، وتلك مهمة عظيمة لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل الجاد والمخلص في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في البلاد، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التكاتف والتعاون بين سائر دول العالم لرفع معاناة الشعوب.

وللفقر أسباب، ومن أهم تلك الأسباب سوء التنظيم، وسوء توزيع الثروات على الأفراد، وعدم الاهتمام بالتكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد، والاتكال على الغير وعدم الاعتماد على النفس، واشتعال الحروب، وعدم إتقان العمل، وغيرها من الأسباب التي باتت تشكل وجعا من أوجاع المجتمع العربي.

لقد تصدرت دول الخليج قائمة الدول الأكثر ثراء في العالم، وأصبح مواطنوها يتمتعون بأفضل معدلات الدخل على مستوى المنطقة العربية، إلا أن الفقر ومع كل الأسف ما زال يخيم على كثير من أبناء المنطقة العربية، اليوم هناك من أبناء الخليج الذين يعانون من تفشي البطالة والفقر في بلدانهم، وأصبح الفقر يهددهم بل ويهدد الأجيال القادمة، إن لم يكن هناك تحرك واضح وملموس لعلاج مشكلة الفقر في المنطقة العربية.

اليوم هناك مؤشرات تقول إن كثيرًا من أبناء دول الخليج يعانون من مشكلة الفقر والبطالة وهذا ما تلمسه وتراه عند زيارتك لبعض دول الخليج ورؤيتك للمتسولين من أبناء المجتمع الخليجي، أو رؤيتك لمن لم يوفّق في الحصول على الوظيفة في وطنه وهو حامل للشهادة الجامعية فتجده يكدح تحت حرارة الشمس ليبيع الشاي والقهوة والماء للحصول على قوت يومه وهو في منطقة حباها الله بكثير من النعم والخيرات.

إن عواقب مشكلة الفقر تنتقل من جيل إلى جيل، ولها آثار وخيمة على المجتمع وأفراده، ومن آثار الفقر على المجتمع هو انتشار المخدرات وإدمانها وشرب الكحول وتدهور الظروف المعيشية، وضعف التعليم، وزيادة الأمراض، والسرقة والقتل وارتفاع معدلات الوفاة بين الناس والتسول وزيادة نسبة الجهل، وعدم الاستقرار المجتمعي، وتبين بعض الدراسات والإحصائيات العالمية أنه كلما زادت معدلات الفقر زادت أمراض التوتر والضغط النفسي بسبب عدم وجود المساواة بين أفراد المجتمع، وكلما زادت قضايا عدم وجود المساواة زادت معدلات الجريمة في المجتمع الذي أصبح اليوم يعاني من شر الفقر وعواقبه وآثاره، قال الإمام علي لابنه الحسن: "لاَ تَلُمْ إِنْسَاناً يَطْلُبُ قُوتَهُ فَمَنْ عَدِمَ قُوتَهُ كَثُرَ خَطَايَاهُ، يَا بُنَيَّ.. اَلْفَقِيرُ حَقِيرٌ لاَ يُسْمَعُ كَلاَمُهُ، وَلاَ يُعْرَفُ مَقَامُهُ، وَلَوْ كَانَ اَلْفَقِيرُ صَادِقاً يُسَمُّونَهُ كَاذِباً، وَلَوْ كَانَ زَاهِداً يُسَمُّونَهُ جَاهِلاً. يَا بُنَيَّ؛ مَنِ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ فَقَدِ اُبْتُلِيَ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ؛ بِـ: الضَّعْفِ فِي يَقِينِهِ، وَاَلنُّقْصَانِ فِي عَقْلِهِ، وَاَلرِّقَّةِ فِي دِينِهِ، وَقِلَّةِ اَلْحَيَاءِ فِي وَجْهِهِ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ اَلْفَقْرِ".

إن من أهم الحلول العاجلة التي ينبغي اتخاذها لحل مشكلة الفقر وانتشال المجتمع من عواقبه وآثاره هو الآتي:

  • الاهتمام بالتعليم فهو أساس ازدهار الأمم ونجاحها، والارتقاء بالمستوى الثقافي لأفراد المجتمع؛ فذلك يخلق الكثير من الحلول لمشكلات الفقر ويزيد من وعي المجتمع في محاربة الفقر.
  • الجهات المسؤولة في الدولة عليها خلق الكثير من الجمعيات الخيرية والتي من خلالها تقوم بتبني الحالات الفقيرة غير القادرة على تحمل ظروف الحياة وذلك من خلال توفير الاحتياجات الضرورية التي يحتاجها الفقراء.
  • الاهتمام بتشجيع المشاريع الصغيرة والعمل الدائم والمستمر على إنجاحها كالحرف المهنية والأعمال اليدوية التي لا تحتاج إلى الشهادات والمؤهلات العلمية، والمبالغ الخيالية للعمل فيها وتشجيع الطبقات الضعيفة للعمل فيها.
  • تعزيز العلاقات الخارجية مع الدول الصديقة والاستفادة منها في الداخل الاجتماعي للحصول على أهم الفرص المناسبة التي من خلالها يتم تعزيز النشاط الاقتصادي والوطني والنهوض به؛ وذلك من خلال الاستفادة من تجارب أهل الخبرة في الخارج.
  • على الدول العربية والإسلامية إعادة النظر في النظام الضريبي الذي بدأت تفرضه على الكثير من موارد الحياة والمعيشة، وملاحظة حال الفقراء من المواطنين والمقيمين، بحيث لا يؤدي النظام الضريبي إلى زيادة الفقر في المجتمع أو أن يتحول إلى كابوس وعبء.

أخيرًا.. على المجتمع أن يعلم أن الوقوف مع الفقراء هي مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الجميع فلا بُد من تفقد احتياجاتهم وإكرامهم والإحسان إليهم لكي لا يشعرون بالنقص أو الحرمان فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع.