مفاهيم بيئية عن المراعي والغابات

علي بن سالم كفيتان

ترتبط البيئات النباتية بعلاقات تبادلية بين الأنواع نفسها وبينها وبين الأنواع الأخرى وفي مرحلة متقدمة بينها وبين بقية الكائنات الحية، ومن ضمنها الإنسان وعوامل المناخ؛ وهي في مجملها تُعرف بالعوامل الحيوية، فعلاقة الإنسان بالغابة تحدد مصير جميع العلاقات الأخرى عبر نهجة في إدارة الموارد، من حيث القطع والإزالة أو الحرق أو الرعي وغيرها، وهنا تتبين لنا العلاقة الحاكمة للإنسان على الموارد النباتية ودرجة إدارته لها، من حيث الإفراط أو الاستدامة، وما يهمنا في هذا المقال هو التطرق لبعض المفاهيم التي قد تكون غائبة عن المختصين برعاية الغابات والمراعي في كثير من البلدان مثل: التنافس، والتضاد، والمؤاكلة.

التنافس (Competition)

يقوم التنافس في أي بيئة نباتية؛ سواء أكانت غنية ومتعددة الأنواع أو فقيرة، ففي حالة الكثافات العالية تطغى أنواع وتختفي أخرى، حتى تكتمل دورة التعاقب البيئي، ويعد ذلك أمرًا حيويًا ومهمًا لعملية الانتخاب الطبيعي؛ فسيادة الأنواع الهشة والضعيفة في كثير من الأحيان تُولِّد بيئات قابلة للانهيار الفجائي، بينما سيادة الأنواع ذات القدرة على التنافس في أسوأ الظروف تساهم في حماية النظم البيئية المترابطة، فتعمل على ثبات التربة وتغذيتها بالماء والمغذيات الأخرى، وتكون بمثابة الحاضن لعودة الأنواع المنهارة، أو قليلة الحصانة ضد العوامل البشرية والطبيعية. ولذلك يجب أن تظل نظرتنا للتنافس في محيط الغطاء النباتي إيجابية، ولا نذهب بعيدًا في تنصيب أنفسنا أوصياء على نظم بيئية كُتب لها الصمود لحقب طويلة من الزمن، مستخدمةً أنماطًا متقدمة لمُعالجة مشاكلها عبر فرضية التنافس الطبيعي.

التضاد (Amensalism)

تستخدم الأنواع النباتية المختلفة خاصية التضاد فيما بينها للحد من نمو نوع على حساب آخر، ويعد ذلك نوعًا من السلاح المشروع في عالم النبات. ومن المفارقات أن السلاح المستخدم لقتل أو إبعاد الأنواع النباتية الأخرى يجب أن لا يكون ذا فعالية على النوع نفسه حتى تنتج مختبرات الطبيعة نباتًا منافسًا لديه القدرة على المقاومة والصمود، وقد يكون ذلك عبر استحداث سلاح طبيعي مُطوّر يُبطل مفعول النوع المستخدم، ويمنح المزيد من المناورة للنوع الجديد، فهناك ما يعرف بالتضاد الكيميائي (Allelochemical Interaction)؛ وهي عبارة عن عمليات معقدة تتم بين الأنواع يستخدم فيها أدوات مختلفة؛ منها ما هو مرتبط بتطوير المحلات الطبيعية وبعضها طور وسائل وطرقا ضد الرعي باستحداث عصارات ودرجات سمية معينة تجعل الحيوانات تنفر من استهلاكها، أو تفضل أنواعا أخرى تكون أكثر استساغة من خلال تغير التركيبة الكيميائية، وهنا قد يستغرب البعض من وجود أشجار ونباتات زاهية ودائمة الخضرة في أقاليم يسود فيها الرعي الجائر؛ فهذه الأنواع استطاعت تطوير أدوات تجعلها في مأمن من الرعي الجائر وليس بالضرورة أن تكون أنواعا سيئة ويجب أن يتم التعمق في دراسة قدرتها القوية على البقاء والبحث عن حلول من خارج الصندوق لكبح جماح انتشارها على حسب الأنواع الهشة؛ ففي كثير من البلدان أصبح تقدم تلك الأنواع فرص عمل واعدة عبر الاستفادة من منتجاتها سواء أكانت حطبًا أو بذورها كعلف أو أوراقها كمنتجات تجميلية ومطهرات للأسطح وغيرها.

المؤاكلة (Commensalism)

هي علاقة تفاعل بين نوعين يحفز من خلالها نشاط نوع دون تأثر الآخر. وتدعى هذه العلاقة أحيانًا بالتعلق البيئي، مثل النباتات الفوقية (Epiphytes)، وفي جميع الحالات لا تستمد هذه الأحياء من مضيفها غذاءً؛ بل تستعمله مكانًا للتعلق. وتحتوي بعض النباتات الفوقية على أوراق صغيرة وجذور تمتص من خلالها الرطوبة الجوية والرطوبة الموجودة على ذرات الغبار المحتجزة بين جذوره، وقد تعرف هذه العملية بأنها علاقة حميدة تربطها مصالح مشتركة رغم أنه في الغالب الأشجار الكبيرة هي التي تستضيف النوع المتواكل وتتحمل عناء حمله وتغذيته مع بعض الفوائد التي لم تكتشف إلى اليوم.

وتكمن أهمية تناول هذا الموضوع في ظل التغيرات الكبيرة التي طالت المجتمعات النباتية في مختلف الأقطار؛ سواء بسبب بشري أو طبيعي والتوجه لتعريف الأنواع وأهميتها حسب المنافع المباشرة التي تقدمها للإنسان والحيوان وتجاهل الفوائد الأخرى التي تقوم بها في سبيل التأقلم والبقاء وتغطية المساحات التي أصبحت جرداء لتحمي التربة وتستمر في استقطاب الرطوبة وتغذية المخزونات الجوفية فتلك الأنواع البديلة في كثير من الأحيان تقوم بدور الحارس الأمين حتى عودة النظم الاصلية إلى عافيتها.

----------

المرجع: أ.د محمد سليمان عبيدو، علم البيئة الحرجية، 2000