تعقيدات القرار الحكومي

 

خلفان الطوقي

لا أحد يستطيع أن ينكر أنَّ هناك جهودا حكومية تبذل هنا وهناك لأجل ضمان تنمية مُستدامة لعُمان والعمانيين، لكن هناك فئة يراها غير ملموسة لسبب ما، ربما لأنها لم تلامسهم أو تصل إليهم بعد، أو لأنهم يرونها غير متكاملة أو متناثرة، أو أنهم يطمحون إلى المزيد، وهذه حالة طبيعية وصحية، فالنفس البشرية ترغب في الأفضل وفي المزيد، وهذه النفس في حالة مقارنة مستمرة بما حولها وترغب بمثله أو بأفضل مما يملكه غيرها، وبما أن عُمان قريبة من دول الخليج، فإنَّ المُقارنة تبدأ بالدول المحيطة، ومن ثم تمتد لما هو أبعد من ذلك.

المقدمة أعلاه هي تمهيد للمقالة، فالمقالة سوف تركز على آلية اتخاذ القرار الحكومي، خاصة إذا كان هذا "القرار" متعلقا ومرتبطا بعدة جهات حكومية لتمريره، وللأسف الشديد فإنَّ معظم القرارات الحكومية ما زالت تحتاج لأكثر من جهة حكومية لتكون مطبقة في أرض الواقع، بالرغم مما يشاع حول الاجتماعات الأسبوعية أو شبه الأسبوعية  لوكلاء الوزارات، ومن ثم انتقالها للجان الفنية المختصة، وعودتها لهم، ومن ثم رفعها إلى لجنة في مجلس الوزراء، ومن ثم إلى مجلس الوزراء، وفي أحيانا كثيرة تعود إلى المربع الأول لسبب أو لآخر، وبكثير من الملاحظات، فإنَّ كان ما يشاع صحيحا، فإن هذه القرارات أصبحت أكثر بيروقراطية وبطءا وتشابكا وتعقيدا، وهذا يدعو لمراجعة سريعة لتصميم آليات أسرع وأكفأ وأجود لاتخاذ القرارات الحكومية.

التعقيد والبيروقراطية في اتخاذ القرار الحكومي يبعث برسائل سلبية عديدة تعلق في الرأس، وبأنه لا توجد قيادات وكفاءات تستطيع اتخاذ القرار، وإنما يوجد موظفون حكوميون تقليديون لتصريف الأعمال ينقلون الأوراق ووجهات النظر من جهة إلى أخرى، لكنهم لا يستطيعون تحمل المسؤولية لقلة جرأة أو كفاءة أو خبرة أو تفادياً لأي خطأ أو ملامة قد تحدث نتيجة هذا القرار أو ذاك، أو لغاية غير مُعلنة.

لم تعد عمان تتحمل هذا البطء والعطلة والخوف والتردد وضياع الوقت والفرص، خاصة وأن الحكومة أعلنت أنها على موعد في تنفيذ رؤية "عمان 2040" الطموحة، وفي تطبيق مبدأ اللامركزية في المشاريع الخدمية، وفي تنمية 11 محافظة على مستوى السلطنة، والتنويع الاقتصادي بعيدا عن الاعتماد الأوحد على النفط والغاز، ورفع سقف مستوى الاستثمار الداخلي والخارجي المباشر  وغير المباشر، وتطبيق برنامج الإجادة للموظفين والجهات الحكومية، وعشرات المبادرات النوعية المعلن عنها منذ الربع الثالث من عام 2020، فهل يا ترى ستتمكن الحكومة من تنفيذ كل هذه المبادرات النوعية بنفس هذه الآلية في اتخاذ القرار الحكومي.

أم أنها سوف تسعى جاهدة إلى إيجاد آلية أسرع وأكفأ وأجود وأكثر مرونة وتنافسية في اتخاذ القرارات الحكومية المرتبطة بأكثر من جهة حكومية في ذات الوقت، وتقليل الموافقات العديدة التي تستهلك الوقت والمال والجهد، واضعة في الاعتبار أن الوضع الميداني أصبح أكثر صعوبة، والتحديات في تصاعد مستمر، والمواطن يرغب في المزيد، ويتطلع أن يرى مستواه المعيشي في تحسن مستمر، وأن تكون بلده أفضل وأحسن وأجمل  مليئة بالفرص الواعدة له ولأبنائه ولأبناء أبنائه.