السياحة.. كنز الوطن المهدور

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

كلّما هبّت رياح الإجازات الرسمية وغير الرسمية شدَّ الناس رحالهم إلى خارج عُمان، وارتحلوا إلى ديار غير ديارهم، وصرفوا أموالهم بسعادة ودون تذمّر أو امتعاض، واستأجروا الفنادق والشقق، وصالوا وجالوا واستمتعوا بوقتهم، واشتروا ما يحتاجون إليه بنصف سعر السوق لدينا، مع أنَّ البضاعة ومكان التصنيع والجودة ومكان الاستيراد واحد، وبعد أن تنتهي الإجازات يعودون أدراجهم إلى أرض الوطن، وهم سعداء بقضاء أوقات مليئة بالتنوع والإثارة والترفيه، كل ذلك وأكثر يجري طيلة سنوات وسنوات تحت نظر وسمع المسؤولين عن السياحة، ودون أن تحرّك الحكومة ساكنا جدّيا غير الصمت، والنظر دون اكتراث لهذا الهدر العام، وكأنَّ الأمر لا يعنيها.

ألم يتساءل المسؤولون عن سبب هذه "الهجرة" الأسبوعية المستمرة للخارج؟ ألم يدر في خلدهم لماذا يتوجه مواطنوهم إلى دول الجوار لقضاء عطلاتهم الأسبوعية؟ ألم تتحرّك عبقريتهم لمعرفة الخلل ومُعالجته، وإيجاد بيئة سياحية جاذبة في بلادهم؟ فالأصوات بحّت، والإعلام نضب ماؤه، والأقلام جفّت، والحناجر ملّت، وهم ينادون جميعًا بـ"ضرورة الاهتمام بالسياحة"، ورفع كفاءة الخدمات، وإنشاء مشاريع سياحية ترفيهية مبتكرة، أو على أقل تقدير توجيه الدفة نحو استثمار ما هو كائن وواقع، واستغلال كنوز الطبيعة التي حباها الله لهذه الأرض، فلم تحسن الجهات المعنية استثمارها كما يجب، ولم تستفد منها بما يجعلها قبلة للسائحين من كل أقطاب الدنيا، فالعيون المائية، والبحر، والصحراء، والسهول، والأودية وغيرها من أماكن طبيعية تعتبر أماكن جاهزة للاستثمار، منحها الخالق لنا دون مقابل، ولا تحتاج إلى أكثر من مسؤول لديه بعض الخيال والشغف لتحويلها إلى كنز بيئي طبيعي واقتصادي هائل يغذي ميزانية الدولة ويرفع من دخل المواطن، والأمر لا يحتاج إلا إلى تنفيذ بعض الخدمات البسيطة التي يبحث عنها السائح، وابتكار بعض الأفكار الصغيرة التي تضيف للمشهد بُعدا جماليا وترفيهيا، مثل: دورات مياه، أو مصلّى، أو أكشاك للبيع، أو ألعاب "محترمة" للأطفال، ناهيك عن عدم وجود مُخيمات للمبيت، أو "شاليهات" للاستئجار، أو أماكن مخصصة ومجهزة للشوي والذبح، أو مطعم سياحي، أو أي خدمة تجذب السائح، كل هذه الأفكار البديهية وغيرها لا ينقصها غير خطة فاعلة، وتنفيذ أمين لكي تُلفت نظر المواطن والمُقيم للذهاب إليها، والاستمتاع بروعتها.

ولعل أقرب مناسبة سياحية قادمة هي "موسم الخريف" وهو الموسم الذي ينتظره المواطنون والمقيمون والخليجيون كل عام، فهل حدث تغيير جوهري في المشهد بمحافظة ظفار؟، وهل استعدت الجهات المعنية بما يليق بسمعة سلطنة عمان؟، أم أن الأمر سيتكرر كالعادة، وستكون الاستعدادات التقليدية هي ذاتها التي نسمع بها كل مرة في نشرات الأخبار دون جديد، وستظل الملاحظات والتبريرات تُرحّل من عام إلى عام دون جديد؟ وسيعود السائح الخليجي حاملا معه الكثير من العتب واللوم للمسؤولين عن قطاع السياحة لدينا، ولعله لا يعيد التجربة مرة أخرى، في ظل منافسة سياحية شرسة من معظم دول العالم، وخاصة الدول الخليجية القريبة منِّا.

أغرب ما في هذا الأمر هو أن كثيرًا مما ذكرته من خدمات سياحية في هذه المواقع الطبيعية لا تتبع لوزارة السياحة وحدها؛ بل تتبع وزارة الداخلية ممثلة بالبلديات الإقليمية، بينما تظل وزارة السياحة مجرد وزارة إشرافية على مشاريع نسمع عنها منذ زمن بعيد، ولم نرَ لها أثرًا على أرض الواقع، لذلك أعتقد أن من الأجدى- في ظل غربلة الاختصاصات الوزارية وتكثيف مهامها- أن تخضع كل الأماكن الطبيعية في البلاد إلى وزارة السياحة، لكي تكون الجهة الوحيدة المنوط بها تنفيذ الخدمات السياحية، لعل ذلك سيكون أجدى وأنفع لهذا القطاع الاقتصادي المهم.

مرة أخرى على الحكومة الالتفات بشكل أكبر إلى السياحة الترفيهية والطبيعية كجزء أساسي للتنمية المستدامة، وعدم إغفال هذا القطاع؛ فالأموال التي يصرفها العمانيون في الخارج أولى بها بلادهم، وهذا لن يتأتى إلا عبر 3 ركائز، الركيزة الأولى: مشاريع ترفيهية حقيقية ذات قيمة مضافة وليس مجرد تحصيل حاصل، والركيزة الثانية: وجود أسواق تُلبّي حاجات الناس ذات أسعار طبيعية ومعقولة، وليس كما هو حاصل معنا من فوضى سوقية لا رقابة عليها، والركيزة الثالثة- وهي الأهم- وجود مسؤول شغوف بالتطوير، يحمل رؤية جمالية غير محنطة، ينطلق منها إلى هيكلة شاملة لكل المنظومة السياحية في البلاد.. وعندها فقط سنتوقف عن طرح السؤال الأزلي: لماذا يحزم المواطن حقائبه ويقضي إجازاته خارج بلده؟