حاتم الطائي
◄ العالم يمُر بتصعيد عسكري غير مسبوق وتوقعات اقتصادية قاتمة
◄ علينا البحث عن بدائل عاجلة لمواجهة أي تداعيات في سلاسل الإمداد والغذاء
◄ العالم لن يتحمل حربًا عالمية ثالثة.. ولا بُد من تحركات دبلوماسية فورًا
تحذيرات مُتزايدة كل يوم من مخاطر التصعيد حول العالم على المستويات كافةً، خاصة فيما يتعلَّق بالأزمة الأوكرانية، فبين الخوف من نشوب حرب إقليمية واسعة في أوروبا قد تتحول- لا قدَّر الله- إلى حرب عالمية ثالثة (كما حذرنا في مقال سابق)، والارتفاع القياسي في أسعار الغذاء وندرة السلع الغذائية، ولجوء الدول المُصدِّرة للحبوب إلى حظر التصدير والبيع للخارج، إضافة إلى الزيادة الخطيرة في التضخم العالمي وما يصاحبه من زيادات في أسعار الفائدة في العديد من دول العالم.. فإنَّ كل ذلك يُنذر بخطرٍ داهمٍ لم نعهده من قبل، ولا حتى في أصعب الأوقات خلال العقود الأخيرة.
وعندما نقول إنَّ العالم يقترب من "حافة الهاوية" فليس في ذلك مُبالغةً؛ بل توصيف أمين ودقيق لما يمُر به العالم من أخطار تُهدد ما تحقق من تنمية وتقدم على مختلف المستويات. ولننظر أولًا للأزمة الحاصلة في أوكرانيا، فنحن أمام حرب حقيقية تدور رحاها على أراضي دولة مُتاخمة لما يوصف بأنها "أراضي الناتو"؛ أي الدول المنضوية تحت منظمة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وهذه الدول لا شك أنها رفعت حالة التأهب- ولو سرًا- لمواجهة أي تهديد مُحتمل، ويؤكد ذلك تصريحات كبار المسؤولين في هذه الدول أو في المُنظمة نفسها؛ بعدم السماح بأي اعتداء على دول هذا التحالف العسكري الأكبر من نوعه في العالم من حيث العدد والعتاد العسكري والميزانيات المخصصة لذلك! وحتى الآن، فإنَّ معظم نتائج الحرب على الاقتصاد العالمي سلبية، فصادرات الحبوب من أكبر منتجيها توقفت تقريبًا، خاصة إلى الدول التي تُصنّف ضمن العالم الثالث، كما إن أسعار النفط الخام قفزت لمُستويات لم تُسجلها منذ 8 أعوام، كما صعدت أسعار الغاز الطبيعي لمعدلات قياسية، إضافة إلى زيادة كبيرة في أسعار الذهب والسلع عامةً. وقد دفع ذلك المؤسسات الدولية المعنية إلى خفض توقعات النمو الاقتصادي، ورسم سيناريوهات غير متفائلة، بل وقاتمة أحيانًا، إذا ما تطورت الأوضاع لما لا يُحمد عقباه.
ولا شك أن ما يعانيه الاقتصاد العالمي يؤثر علينا لا محالة، فارتباطنا بالمنظومة الدولية يجعلنا جزءًا منها، ومن ثم يتعين علينا اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية اقتصادنا الوطني من أي صدمات قد يتعرَّض لها الاقتصاد العالمي، وخاصة فيما يتعلَّق بالنمو الاقتصادي، وأسعار الفائدة، وسعر الصرف، وتأمين الواردات الغذائية، والبحث عن بدائل تضمن توفير أعلى معدلات الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من أكبر قدر ممكن من المنتجات، لأن التوقعات- في المقابل- تشير إلى أزمة عالمية محتملة تفوق ما حدث في 2008 وما بعدها.
ومن المؤسف أن نجد التاريخ يُعيد نفسه، فالركود العظيم الذي ضرب العالم في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، يطل شبحه مجددًا اليوم، ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، وكما إن هذا الركود تبعته حرب عالمية، تتنامى المخاوف من نشوب حرب واسعة لا تقتصر أطرافها على روسيا وأوكرانيا كما هو الآن؛ بل تتداخل أطراف أخرى في ظل صراع الهيمنة وإرهاصات إنتاج منظومة عالمية جديدة ربما تكتب فصل النهاية لنظام العالم ذي القطب الواحد!
الصراعات المُسلحة تظل دائمًا الخطر المُحدّق بأمن واستقرار الدول، وإذا تزامنت مع أزمات اقتصادية، فإنَّ التعافي والنجاة من براثنها يستغرف سنوات طويلة. ورغم أنَّ العالم لم يخرج بعد من أتون حربه على فيروس كورونا "كوفيد-19"، إلّا أنَّ المؤشرات توحي بأنَّ الخيارات محدودة، وأن الصراع الذي يُخشى منه، ربما ينشب في أي لحظة ما لم تتكاتف الجهود من أجل إعلاء صوت الحكمة والنظر إلى مصلحة الشعوب قاطبة على هذا الكوكب.
الواقع يؤكد أنَّ العالم لن يتحمل أي حرب عالمية؛ لأنها ستكون مُدمرة للجميع، وستتفشى المجاعة والأمراض في أنحاء الأرض، وسيتسع الفتق على الراتق، ولن تتمكن أي قوة من احتواء التبعات الكارثية، التي لا يأملها أي إنسان عاقل في هذا العالم.
وختامًا.. على كل الأطراف المتناحرة في مختلف بقاع الأرض، أن تتراجع فورًا عن حافة الهاوية، لأنها سحيقة للغاية ولا يعلم مداها أحدٌ، ولا بديل عن الاحتكام للحوار المباشر والمفتوح مع كل الأطراف، والإسراع في تحركات دبلوماسية عاجلة وأدًا للصراعات، وحقنًا لدماء الأبرياء، وتفاديًا لفترات هالكة وتحديات لا طاقة لإنسان بها، وهذا ليس من باب التهويل؛ بل تبصُّرًا لما قد تؤول إليه الأحداث..