ماذا لو دُعيَ سادجورو لحضور "ندوة الإلحاد"؟!

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

ماذا لو دُعي سادجورو الهندوسي إلى "ندوة الإلحاد وحقيقة التوحيد" المُقرر إقامتها يوم الثلاثاء المُقبل وتمت محاورته، ومناظرته من قبل علماء ومفكري الندوة؟ أو حتى وُجهت له مجرد دعوة للحضور؟

ألن يجعل هذا الأمر من هذه الندوة أكثر حيوية، ونبضًا، وعالمية، وتفاعلًا، وأقرب للواقعية؟ بل وستُحقق أهدافها أكثر مما ستكون عليه حين يكون المحاورون كلهم منطلقين من نفس المُنطلق، والعقلية، والخلفية الدينية، فهم من يديرون، وهم من يناقشون، وهم من يضعون الأسئلة، وهم من يجيبون عليها، ثم أن ذلك سيثبت لـ"سادجورو" ولغيره أنَّ الإسلام دين الحجة، والدليل، والحقيقة الساطعة، وليس دين التراجع، والهروب إلى الخلف، والخوف من الآخر، مهما كان هذا الآخر. أعتقد أن ذلك سيكون أكثر تأثيرًا وفائدة من ندوة تتحدث عن الإلحاد، يتحدث فيها رجال مؤمنون بالله واليوم الآخر، بينما لا يُسمح للفكر المُغاير- وهم المستهدفون بالأمر- بالمشاركة والتفاعل.

ربما لم يسمع الكثيرون عن سادجورو، لولا تلك الحملة التي شنّها المعارضون لزيارته قبل أيام؛ حيث شارك الكثيرون في التعريف به، وانقسم البعض حول زيارته للسلطنة، هل هي زيارة عمل وعِلم؟ أم هي زيارة "غسيل دماغ" للمُسلمين في هذه البلاد ودعوة لهم للإلحاد؟ وبين هؤلاء وهؤلاء، طالب جمهور "تويتر" وبعض أصحاب الرأي بمنعه من زيارة الدولة، بحجة أنَّه هندوسي متعصب، وأن "وراء الأكمة ما وراءها" كما يقول المثل العربي. والحقيقة التي حصلت لحد الآن هو أن الفريقين عرّفا بهذا الرجل في بلادنا أكثر من أتباعه! ولو أنه دخل من بابٍ وخرج من آخر دون ضجيج، ولا صخب إعلامي لانتهى الأمر، وتلاشى السحر والساحر.

لا شك أننا جميعًا ضد أي مظهر يسيئ إلى معتقداتنا الإسلامية، وتراثنا، وإرثنا، وعاداتنا وتقاليدنا، ولكن لا ننسى أنَّ الدولة هي فسيفساء من جميع الطوائف والأعراق، والمعتقدات، وأن بيننا على أرض الواقع مواطنون من أصل هندوسي، ونصراني، وبوذي، يعيشون بيننا، يمشون في الأسواق، ويأكلون الطعام معنا، ويلبسون- في أحيان كثيرة- مثلنا، وبينهم- كما في كل الملل والطوائف- متعصبون، ومتسامحون، ومنهم من لا يعير هذه الأمور اهتمامًا، لذلك فوجود شخص مختلف مع توجهاتنا لا يعني أنه قادر على تغييرنا إلى وجهته، فنحن كشعب مسلم لدينا من الإيمان العقائدي ما يجعلنا مُحصّنين من كل ما يلوث مُعتقداتنا، هذا ما أثبته التاريخ، وأثبتته حملات التنصير والتبشير المتعاقبة التي حضرت إلى البلاد في أزمنة مختلفة، وعادت إلى ديارها خائبة.

 ثم لنسأل أنفسنا: كم شخص سيحضر محاضرة يلقيها سادجورو؟ ومن الفئة التي ستحضرها؟ أعتقد أن من سيشارك في درس يتحدث عن "التربة والزراعة والروح والجسد" هم أنفسهم من يعتقدون بما يعتقده سادجورو، ومن هم على شاكلته، ويؤمنون بأفكاره من جنسه، ودينه. أما من أراد أن يتّبعه أو يتأثر بما يروّج له فلن يكتفي بالمحاضرة، ولن تغلبه الطريقة، فوسائل التواصل الاجتماعي تكفّلت بنشر كل فكر، وكل مُعتقد؛ حيث أصبح الفضاء أوسع، والأفكار دون قيد أو رقيب.

لعلَّ الأمر ليس بهذه البساطة التي أتناولها، ولكنها هي المتخيّل الذي أعتقد أنه سيكون، فالعمانيون ليسوا بهذه الهشاشة التي يظنها البعض، وأنا على ثقة بأنَّ السلطات لدينا لن تغض الطرف عن أي تجاوز من هذه الشخصية أو غيرها إن خرجت عن إطار الزيارة، ولن تتسامح مع ما يشوّه صورتها في نظر المواطنين. ورغم كل ذلك، فعلى الجهات الرسمية والأهلية أن تنأى بنفسها عن أي محاولة لفرض هذا الشخص أو غيره على النَّاس، وأن تحدد له أماكن "المحاضرات"، دون أن يخرج ذلك عن السيطرة، وبذلك تكون الجهات المعنية قد أمسكت العصا من المُنتصف، فهي أظهرت تسامحها وبُعد نظرها في التعامل مع هكذا حالات، وفي نفس الوقت لم تجعل الأمر سائبًا وفضفاضًا كما يريده الزائر.