وسطاء جهنم

 

عائض الأحمد

قد تجعل بينك وبين أحدهم وسيطًا، ليس لسوء فيك أو نقص في فهمك، ولكن لأن العصر الحالى يتطلب بعضا من هذا، فإن كان نصيبك أن تلتقي بأحدهم فقل الحمدالله عشرًا وسبح بحمده أن رأيت بشرًا يسعى بأريحية وأنت شاهد على استغفاله لك ولأمثالك، دون أن تنزل قطرة ماء من وجهه.

ربما أقولها دون قناعة، ولكن ماذا تريد ممن جعل من حياتنا سلعة تباع وتشترى ثم جعلنا رهن وسطاء يعملون على استغفالنا بحجة مسماهم وتصاريح عمل لم تأتِ لنا بخير. أتقن وتيقن، وابحث بعمق ثم افرد يديك وأغلق أذنيك، ومد ساعديك، وانثر ما حملته لك سنوات لم ترَ فيها يوم راحة، وترقب رحمة "سمسار" وسيط "نشال" مصرح له أن يسوق بضاعته وينشر ما يريد وكأن الرقيب في سبات عميق.

إن كنت تؤمن بالتخصص فسلم أمرك وأدعو على من ظلمك، أسهل أمر يعيد لك صوابك ويهون عليك أن ترى الشمس بمنظارك الأسود، لو جمعت الناقص ثم طرحته ضربًا لما استيقظ هذا المارد، سأت أحواله تعنتًا من بائع يخلط الزيت بالماء، أو مستأمن ينشر شر أفعاله، ويصبغها بفضله وكرمه لعله يخفف وطأة نكرانه وتماديه في انتزاع ما حرم عليه يوما، فجعل النار فصلا بينهما وكأن "الزيت" لم يكن دهنا محرما في زمن الانقياء.

كل ما نخفيه، هو الآخر الذي لا نجرؤ على إظهاره علانية، فإن استطعت أن تعيشه معي فلك مالى وأنت سيد السادة، وليس هناك من حرج على الأعمى وإن كان ذا بصيرة، السعادة تنشد من يسعى، وهب أنك غير هذا، كمن ينام في ظل ويصحو تحت شمس حارقة.

في الحضارات القديمة ليس سهل أبدا أن تتواصل مع ذاتك حتى تتوسل بوسيط لينجيك من نفسك الأمارة بالسوء فترزح بين فكي أسد جائع، وروح مستهلكة تعبه تنشد الخلاص، وتتوسل الموت غيلة، علها تكون قربان قرية تدعو ربها لغيث طلبته، فأصابها حتى غرقت، فمن بعد رجاء جاءت إجابة ضراء، لم تحسب نبؤاتها وقائع المنجمين وأفلاك الكوكب السحري، وتقلب آراء العرافين.

في ديني حلال طيب الأكل، وفي شرعها حرام، ناقله وشاربه، أو النظر إليه، رحمة اختلاف لا خلاف، وتضاد ثقافات لم تنهَ عن النظر في صلبها فتنازع الصغار أفكارها وأطلقوها حجة باقية إلى قيام العقل وانتصار المنطق، وتواري الضلال المرسل عبر سياط وأقنعة المنتفعين نفاقا أعلمه وأنت تعرفه ويشير إليه أحد الأطفال ضاحكاً كنت أرويه لأخيف أقراني وأستعير أشياءهم الثمينة كما كنت أظن.

يقول أحد المحدثين زورا لن استسلم  لصوت الرعد القادم، فأيمان المر ليس دليل بقاء، وقد يأتي بما يخطف الأبصار برق يضيء ما بين حاجبيه فينقلب على مبادئه بما يشبه سر حياته الذي يتوارى خجلا وخوفا أن يظهره، فتميل أطراف أغصانه باحثة عن قطرة ماء فلا تجد.

لم يدع للشيطان مسلكا ليستمتع به، وهبه أكثر مما كان يظن، حتى فرَّ منه هاربا، متسائل أبشر مثلكم هذا، أم قيض له روحا فاخرة تشيطن أفعالها وتزينها لها، فما عادت بحاجة لمن يغويها أو يشفع لها فجورها أن اتقت أو توارت إلى غير رجعة.

ختامًا.. لم أعد أهتم لسؤالك عن أحوالي الشخصية، فلم يعد لدي إلا حال واحدة أسكنتها رهينة "سمسار" فاجر.

*****

ومضة:

كان يبحث عن قطرة تعيده، فشرب حتى ثمل وعاد سيرته.

يقول الأحمد:

لم يحن الرحيل بعد.. قالها، ثم أوصد الأبواب!