مبلغ الحلم

 

سارة بنت علي البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

ثمة لحظات في العمر لا تتكرر ولا يمكن أن تعاد أبدًا؛ كلحظة الميلاد ولحظة الموت، وما بينهما لحظات كثيرة، كأول يوم تذهب فيه إلى المدرسة، ويوم تخرجك، ويوم زفافك، ويوم الحصول على وظيفة، ودائمًا ما يكون أول يوم لكل شيء مختلفا.. كأول لقاء، وأول حب، وأول صداقة، كلها أحاسيس لا توصف؛ بل هي التي تعبّر عن نفسها.

هكذا كان يوم تخرجي في كلية الخليج قبل أيام؛ حيث توشحت زي التخرج وهممت كباقي الخريجات والخريجين من أبناء الدفعة 19 ليوم التخرج العظيم؛ حيث كان يومًا استثنائيًا في العمر، وشعور السعادة الذي لم يفارق محيّانا، وشعور الفخر والاعتزاز بعد سنوات من الصبر والعزيمة والقوة والتحدي، بعد نضال آخر وشغف وطموح ترقبناه طويلا، وبقينا في انتظاره رغم أن الحلم قد طال وانتهت أيام الدراسة، لكننا بقينا في ظروف جائحة كورونا نحلم بعودة الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها، فمرض من مرض، ومات من مات، وولد من ولد، ونحن في حالة ترقب وانتظار لليوم الكبير ألا وهو يوم التخرج.

كان يومًا سريعًا وكنت لا أعرف من أين أبدأ في تحضيراته؛ فهناك قوائم للأعمال أمامي يجب علي الانتهاء منها، لكن يجب أن أكون على قدر التحدي والمسؤولية التي وضعت على عاتقي وهي تمثيل زملائي وزميلاتي الطلبة وإلقاء القصيدة الشعرية كي أعبر عن ما يجول بالخاطر وما يدور في الوجدان من مشاعر مررنا بها طيلة السنين التي مرت علينا.

في لحظة ما وقفت في طابور الخريجات بترتيب وتنظيم عجيب صفا واحدا استمع لاسمي فلانة بنت فلان الفلانية.. ها أنا الآن وصلت إلى مبلغ الحلم نعم لقد حانت اللحظة التي ترقبتها عمرًا، نعم أتت، وها هي خطواتي على خشبة المسرح تتجه نحو منصة التكريم بحضور بهي من راعية الحفل صاحبة السمو السيدة علياء بنت ثويني آل سعيد، وهي تمنحني شهادتي واستلمها بكل فخر، وأقول في نفسي "نعم لقد وصلنا لمبتغانا والحمدلله".. ففرحة التخرج بعد سنوات الدراسة شعور لا يوصف وحلم مرتقب خصوصًا بعدما تم تأجيل حفل تخريج الدفعات لسنتين.

عدتُ إلى مكاني وشعور عامر بالفرح يعتريني وابتسامة عريضة زرعتها على شفتي جلست على الكرسي وتمت مناداتي للمرة الثانية، وهذه المرة لإلقاء قصيدة التخرج فما كان مني إلّا أن وقفت على منبر الإلقاء وبدأت بإلقاء أبيات القصيدة فكان تتويجًا آخر.

هذي الليلة تُخلد، باقية للوقت غيمة

تمطر بسعد ومحبة ونشوةٍ بالانتصار

 

انتصار الذات و العقل الذي ظل بصميمه

من على كتف الأماني ينفض بعزمه الغبار

 

من بعد جهد السنين وصبر وإصرار وعزيمة

حانت اللحظة العظيمة، من بعد طول انتظار

 

حان موعد هالتخرج والفرح يلفي نسيمه

كلها عز وشموخ، وكل معنى الافتخار

 

افخروا يا من صبرتوا ونلتوا بالجهد الغنيمة

الشهادة اللي تمهد للعلا خط المسار

 

يا شباب الدار أنتو خير هالأمة العظيمة

إنتو مستقبل وحاضر وإنتو من يبني الديار

 

أكملوا مشواركم واسلكوا الدرب السليمة

ما يليق إلا تكونوا بجهدكم عند الكبار

 

تحت ظل الشهم والمغوار بأفكاره الحكيمة

قائدي السلطان هيثم والاسم هيبة ووقار

 

حكمته خلت من الأمجاد دايم له لزيمة

ينقرن في اسمه التاريخ هيبة وازدهار

 

يا عسى ربي لنا بالعز والرفعة يديمه

ويرحم اللي وصى فيه ويرزقه حسن الجوار

 

كل ذكرى سيدي قابوس في الأنفس مقيمة

ما بننسى وجهك المزروع فينا مهما صار

 

تصفيق في القاعة يعلو وتمتمات بـ"صح لسانك".. "بكيتينا" ! وحشرجة في صوتي ودمعة أخفيتها..

كل الأحاسيس اجتمعت في آنٍ واحدٍ، في ظرف واحد، في قلب واحد، وعلى لسان واحد، فكان التخرج المختلف، وكان التخرج الأجمل، وكنا الجيل الأخير الذي درس في عصر النهضة القابوسية؛ لتنطلق بعدنا أجيال وأجيال ستتخرج وتواكب المسيرة الجديدة والعهد السعيد المتجدد.

ختامًا.. لا يسعني إلا أن أقول هنيئًا لكافة الخريجين والخريجات هذا النجاح، وشكرًا لكلية الخليج التي منحتنا هذا الشعور الجميل، وكل أمنياتنا القادمة أن يُكلل النجاح بوظيفة العمر ومبلغ المنى.