من روائع تاريخ القادة

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

للتاريخ وقفات مع القادة العظام وعلى مر التاريخ فهم يتحلون ببعض الصفات التي قلَّ ما تكون في غيرهم وهي صفة المقدرة على اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب وتغليب المصالح وتغيير الاتجاه دون انتظار، وهذا لا يعني انتقاصاً أو تقليلاً ممن سبقهم بقرار الشراء والاقتناء لجوانب من مستلزمات الحياة، ولكن الأمر يعتمد على مسايرة الأحداث ومواكبة الزمن وتغليب المصالح العُليا للوطن وبأي ثمن والتي قد تكون مواتية إيجاباً لأمرٍ ما ولا تكون كذلك في يوم آخر.

وكذلك فإن تغليب المصالح العليا للأوطان يجعل من رؤوس الرجال قدوة ومرجعا لمن حولهم وبكل وضوح ذلك أنه ليس من الصواب أن يأتي زمان يؤمر فيه الناس بالتخفيف وهناك جوانب قد يكون من الأهم التخفيف منها.

الكثير من دول العالم وعبر التاريخ لا يتخذ قادتها شيئاً شخصياً مطلقاً ولنقف مع هذا الأمر وقفة كبيرة ولأسباب يطول شرحها لأنَّ كل ما تملك تلك الدول والأوطان ليس باسم ملكها أو سلطانها فقط إنما هي تحت تصرف وأمر القائد في السلم والحرب له ولضيوفه فيرمز مثلاً على الطائرة الأولى للقائد والسفن وحتى الطائرات العمودية تستخدم في كل المهام والواجبات، ولكن كل ذلك يتوقف إذا أمر القائد الأعلى وطلب أمراً فيكون أولوية قبل كل شيء، ورأساً لكل شيء، ولا توجد قيادة لطيران أو جو أو بر أو حتى مطارات خاصة مطلقاً لأن بالأمر كثيرًا من المعاني، ولنفس السبب، وأن كل شيء تحت إمرة القائد والقيادات، واحدة خفيفة الحركة يمكن أن تطوع إلى كل حدث داخل أو خارج ذلك الوطن، وهناك نواحٍ فنية وأمنية وتكاليف للتشغيل والسيطرة والصيانة، وبذلك لا يكون هناك مسمى لأي شيء مساير، ويمكن الاستغناء عنه؛ بل إن هناك دولاً وعلى مستوى القادة الأصغر ذهبوا إلى عدم تخصيص بيوت خاصة لكبار القادة لتغلق لسنوات إنما تكون له الأولوية القصوى حيثما تواجد.

وأكون في غاية الوضوح عندما أقول إنَّ هذا هو ما يستحق قائدنا المفدى حفظه الله وما يستحق الوطن منه وأن عمان ومافي عمان طوعاً لإشارة يمينه وأن يكون التوجه والقرارات بهذا الطموح وهذا الحجم وهذه مفاصل هامة من رشاقة الدول ومسايرة الزمن وكسب القلوب والقرب منها والاطلاع عليها عن قرب فالزمن به من التحديات ما يكفي.

لقد وثق التاريخ أن السلطان سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- وبعد أن استلم مقاليد الحكم وعلم أن الوضع الاقتصادي للوطن في أصعب مراحله ولأسباب معقدة منها خروج العالم من الحرب العالمية الأولى ومروراً بالثانية، فقد بدأ بنفسه فخفض راتبه من سبعة آلاف روبية إلى 3 آلاف روبية، وباع يخته، بعدها قام بإصلاح اقتصادي يعد مفخرة في تاريخ الوطن، وكذلك فإنَّ السلطان سعيد بن سلطان- طيب الله ثراه- قدم سفينة القيادة للأسطول العماني ذات السبعين مدفعاً هدية لملكة بريطانيا.

وبعيداً عن كل الأسباب الأخرى إلا أنَّ الصفة في المثال السابق للتعامل مع الأحداث كانت هي السبب الجوهري لذلك القرار.

وأخيراً، فلعل بعض الأمثلة في تاريخ الدول الراسخة لا تكون مباشرة، فمن يعتقد أنه يقوم من خلال منصب ما أو حتى مؤسسة داخل دولة معينة بالمعجزات، فقد يكون يوماً ليس أكثر من عبء مؤسسي بكل المقاييس ويمكن لأصحاب القرار وفي غمضة عين أن يقدموا لهم الشكر، وأن تكون البدائل أفكاراً وقرارات ورجالاً بطموح أكبر وأبعد وأشمل، يجعل الوطن في التوازن المنشود والمناسب بين إرثه وما يملك من مقومات في الإنسان والثروة، ومستواه المناسب المستحق بين أمم الأرض.