فايزة سويلم الكلبانية
"قوات الاحتلال تقتحم جنين وتحاصر منزلاً في حي الجابريات.. في الطريق إلى هناك.. أوافيكم بخبر فور اتضاح الصورة".. كانت آخر رسالة تبعثها الإعلامية الراحلة والصحفية الماهرة شيرين أبوعاقلة، مُراسلة قناة الجزيرة في فلسطين، والتي اعتادت أن تكون سباقة في نقل الأحداث.
لكن اتضحت الصورة للأسف، بعد هذا الخبر، وغابت شيرين، فأصبحت هي الخبر والوجع الذي ضجت به صباحاتنا، وصباح العالم أجمع، سنشتاق لصوتك وكلماتك وقصة شعرك الكثيف التي أحبها وملامح وجهك الجميل وعينيك التي أرهقتها المسؤولية ونبرة صوتك التي تختتم كل تقرير (شيرين أبو عاقلة- الجزيرة- فلسطين)، لطالما ثبتت في أذهاننا كلما أطلت لنا في التقارير.. سنفتقدك بحجم تفاصيل عملك اليومي ومتابعاتك للمستجدات عن قرب.. فأنتِ صوت الحقيقة التي أرهقتهم. فعلا حين نردد "أن تكون صحفيا.. ليست جريمة".
وشيرين نصري أنطون أبو عاقلة من مواليد القدس في 3 يناير 1971م، صحفية فلسطينية، عملت مراسلة إخبارية لقناة الجزيرة على مدار 25 عامًا بين عامي 1997 إلى 2022؛ لتكون أحد المراسلين الأوائل لقناة الجزيرة في الميدان. وقد أشعلت وفاتها منصات التواصل الاجتماعي، وانهالت عبارات النعي بالصوت والصورة، كما ارتفعت دعاوى ومطالبات بالتحقيق في مقتلها، وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة الاحتلال الإسرائيلي واتهامها بتصفيتها ميدانيًا.
شيرين أبو عاقلة... نحن لا نعرفها المعرفة الشخصية كزميلة إعلامية نعمل في ذات المهنة باختلافات الزمان والمكان والظروف يحمعنا ذات المجال، ولكننا عرفناها جميعنا خلف شاشة التلفاز وهي تنقل الحدث من الأراضي الفلسطينية بكل تفاصيلها على مدار أعوام مديدة. وداعا للصوت الذي سيظل حاضرا بذاكرتنا كلما ذكرت القضية الفلسطينية.
اعتدنا أن نشاهدها عبر التلفاز وهي تنقل الأحداث متنقلة بين تغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب إسهاماتها في نقل ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون من أحداث. حيث وصفت شيرين في إحدى مقابلاتها زيارتها لسجن عسقلان الحدث الأكثر تأثيرا عليها لكونها اقتربت من أوضاع الأسرى الفلسطينيين، وكما جاء في أحد تقارير قناة الجزيرة قولها بإحدى مقابلاتها التلفزيونية (إن أحد العقوبات التي طبقت على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هي منعهم من مشاهدة قناة الجزيرة إلى اليوم).
دائما ما كانت تكرر شيرين في مقابلاتها الإعلامية أنها كثيرا ما تشعر بأن الموت كان قريبا، وتعد من أبرز الإعلاميين بالعالم، كثيرا ما نراها عبر التلفاز وهي تتنقل بين الأحداث أينما وجدت لتنقل لنا الصوت والصورة من قلب الحدث رغم الحرص في اختيار مكان الوقوف ووضع الكاميرا وارتدائها للسترة التي تدل على أنها صحافية إلا أنها قتلت بدم بارد. وهي من أبرز الأصوات والشخصيات الإعلامية التي عرفناها بروح المغامرة في نقل الحدث والجرأة والشجاعة صوتا للحق والحقيقة.
إنه من خلال الدور العظيم الذي بذلته أبوعاقلة في نقل الأحداث، عرضت نفسها لإصابات منها رصاصة في مواجهات الضفة الغربية، لكن كُتبت لها النجاة والعمر الجديد، لكن في يوم 11 مايو 2022 كان يوم مقتلها الذي لم يترك لها مجالا للنجاة.