"الفيفا" الفاسد

 

أحمد السلماني

قد يبدو لمن يقرأ عنوان المقال أنني سأتحدث عن الفساد المالي للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ولكن أمراً كهذا يحتاج إلى تحقيقات وأدلة قاطعة، ومع ذلك أشك أن تخلو أكبر مُنظمة عالمية تنساب في ثناياها ومفاصلها مليارات الدولارات من شبهة الفساد المالي، ولكنني سأتحدث هذه المرة عن شكل آخر من أشكال الفساد والسقوط في أوحال تتعفف عنها ومنها الإنسانية والشرائع السماوية الحقّة والسليمة.

عندما طالعتنا وسائل الإعلام قبل أيام بتوجيه الفيفا رسالة وإنذار شديد اللهجة للجنة المنظمة لبطولة كأس العالم في قطر بأهمية أن تلتزم المؤسسات والفنادق بالعقود المُبرمة معها بعد ورود تقارير صحفية عن عدم استقبال فنادق لحجوزات أزواج مثليين- والعياذ بالله- وأنه سيلغي عقود كأس العالم مع أي فندق في قطر أو أي مزود للخدمات يظهر تمييزا ضد الشواذ (أو ما يُسمون الآن بـ"المثليين").

وأتت الخطوة بعد أن كشفت تحقيقات أنَّ 3 فنادق ضمن القائمة، التي منحها "فيفا" موافقته على استضافة الزائرين في كأس العالم، لم تسمح باستقبال الأزواج من نفس الجنس وأجرى التحقيق صحفيون يعملون مع مجموعات إعلامية في السويد والدنمارك، وفقاً لما نقلته صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية، وتنكّر الصحفيون بشكل أزواج مثليين وقالوا إنَّ ثلاثة فنادق من ضمن قائمة مقترحات "فيفا" للإقامة في قطررفضت حجوزاتهم. وهنا نسأل الله العون للأشقاء في قطر للكيفية التي يمكن بها المواءمة بين شروط منظمة الفيفا المسؤولة عن كرة القدم في العالم، معشوقة الملايين حول العالم، وبين مُجتمع يعيش في منطقة جغرافية هي مهد خاتمة الرسالات السماوية، والتي وعلى مدى 15 قرنًا كانت تدعو الإنسان إلى السُّمو لمراتب الفضيلة والطهر والإنسانية، وتنتشله من براثن الانحطاط والفساد الأخلاقي الذي ترفضه الفطرة السليمة، كما تحرره من حيوانيته إلى إنسانيته. لكن هناك في هذه البسيطة من يرفض كل ذلك؛ لتتبناه مؤسسات تستغل كرة القدم الجميلة وبشعارات برَّاقة تتخفّى خلفها، وهي في الحقيقة أدوات لترويج شعارات كانت وما زالت تدعو لها، ولا غرابة في ذلك، إذا ما علمنا أنَّ منظمة الأمم المتحدة نفسها تتبنى نهجًا معارضًا لكل من يُعادي المثلية الجنسية وحرية ميول النَّاس.

واستغرب حقيقة من خضوع الجمعية العمومية للفيفا وتبنيها لمثل هذه الممارسات وهذه الشعارات، إذا ما علمنا أن عدد أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم 211 عضوا؛ أكثر من نصفهم هم إما دول إسلامية أو تلك التي لا تسمح شرائعها السماوية والوضعية بتبني مثل هذه الممارسات أو الشعارات، كما إن لدولة قطر حضورًا طاغيًا بالساحة الرياضية عمومًا، وفي كرة القدم تحديدًا، عندما احتاج لها الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات القارية والمحلية الأخرى في إقامة مباريات مُهمة فيها نظير جاهزية منشآتها وبنيتها الرياضية التحتية الضخمة والمتقدمة في ظل جائحة كورونا.

بالتالي لا أرى سببًا في قبولها شروطًا تتنافى والفطرة الإنسانية، إذا ما علمنا أنَّ شعارات مجموعات ما تسمى بـ"الميم" كانت معدومة أو محدودة، ولم تظهر بشكلها الواسع والمفضوح هذا، إلا قبل أقل من عام، وانتشرت بشكل كبير في الملاعب والمباريات الأوروبية تحديدًا، والحقيقة أنني أرى اليوم أنَّ بلادي عُمان الغالية كانت محقّة عندما رفضت استضافة إحدى مجموعات كأس العالم لأنَّ شروط "الفيفا" الفاسد لا تتناسب والقيم الدينية والمُجتمعية الطاهرة التي قامت عليها، فهل من موقف عالمي موحّد يرتقي بالإنسانية إلى قيم الفضيلة والنظافة والإنسانية ويتعالى عن الحيوانية؟!