مدرين المكتومية
رُغم أنها ليست المرة الأولى التي أتلقى فيها دعوة كريمة لحضور فعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل بدولة الإمارات العربية الشقيقة، إلا أنني في كل مرة أزور الشارقة العزيزة على قلبي، أشعر وكأني أزورها للمرة الأولى، ليس فقط لما تشهده هذه الإماراة من تطورات وتحديثات، ولكن لروح التجديد المُهيمنة على مختلف أرجاء الإمارة، فضلًا عن التطوير المستمر والمتميز في دورات هذا المهرجان المعرفي.
الشارقة وعلى مدى عقود، استطاعت أن ترسّخ أقدامًا ثابتةً في المشهد الثقافي العربي والخليجي والدولي على السواء، ليس فقط لما تحتضنه من معارض ومهرجانات ثقافية، ولكن لروح الأصالة العريقة التي تزخر بها، والحرص الكبير من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على إيلاء جُل اهتمامه بكل ما يمُت للثقافة بصلة. وهذا ما يتجلى واضحًا في مختلف الفعاليات التي تنظمها الإمارة، حتى في ظل جائحة كورونا، ظلت معظم الفعاليات تُقام عبر الإنترنت أو حضوريًا مع اتخاذ التدابير اللازمة.
اليوم وأنا أكتب لكم من الشارقة، نجمة الثقافة العربية المتلألئة، أشعر بالفخر لما أجده من حولي من تطورات لتنظيم أكبر تظاهرة ثقافية مخصصة للأطفال في العالم العربي، والتي تستمر لمدة 10 أيام، وتشتمل على العديد من الفعاليات التي تسهم في إثراء الفكر والمعرفة لدى الناشئة، وليس فقط عرض مجموعة من الكتب للبيع أو غير ذلك. هذا الحرص الشديد من قِبل إدارة المهرجان يؤكد أن ثمة رؤية واستراتيجية تستهدف تعظيم الاستفادة من هكذا فعاليات ثقافية للارتقاء بالمشهد الثقافي العربي والخليجي. ومما يحرص عليه المهرجان كل عام، مشاركة كوكبة من الأدباء والكُتّاب من حول العالم، بهدف الاطلاع على التجارب الدولية المتميزة في أدب الطفل، وكل ما من شأنه أن يدعم جهود زيادة الوعي وتطوير المعارف لدى هذه الفئة التي تمثل المستقبل المشرق في أي بلد.
إننا هنا أمام حدث كبير، تأتي أهميته بالدرجة الأولى من الرعاية الكبيرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي لافتتاح هذا المهرجان الفريد من نوعه، الذي يجمع العالم على أرض واحدة، ويستضيف العديد من الشخصيات التي لها الأثر الكبير في تقديم عمل متكامل يستفيد منه أبناء الشارقة- والإمارات عامة- وضيوفها والمقيمون على أرضها، إننا أمام حدث مُبهر في شتى تفاصيله، وفي كل عام يزداد إيماني ويقيني بأن العمل الهائل الذي تقوم به إدارة المهرجان ما هو إلا ثمرة تكاتف جهود الدولة بكافة مؤسساتها لخدمة الحدث نفسه؛ ليظهر المهرجان بالمظهر الذي يليق بالعمل المؤسسي في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
والتوجه الذي تتخذه إمارة الشارقة في صناعة المعرفة والثقافة، يشار إليه بالبنان، إذ لا يخفى على أي مهتم بالشأن الثقافي الدور الذي تقوم به هذه الإمارة المنارة في تطوير الثقافة العربية والإسلامية، خاصة وأن هذا التوجه هو ما يصنع التفاعل؛ حيث يخاطب المجتمع والعالم من أجل النهوض بالمعرفة والفنون والثقافة. والحق يقال إن إمارة الشارقة برهنت للعالم أجمع أنها قادرة على تحقيق النجاح في أي عمل تنظمه، ولا يمكن التمييز بين فعالية ثقافية أو رياضية أو علمية، فالنجاح في نهاية المطاف يُنسب إلى الشارقة وليس لمؤسسة ما، أو وزارة أو شركة، فالكل يعمل في صمت وكأنها خلية نحل بشرية.
وهنا نتوقف عند مسألة صناعة الهوية، فقد نجحت الشارقة في أن ترسخ لهويتها الخاصة بها، فعندما نتحدث عن الثقافة والفنون والإبداع، تُذكر الشارقة باعتبارها واحدة من أهم العواصم العالمية في هذه المجالات، الأمر الذي يستدعي من مختلف الدول أن تعمل على ترسيخ أبرز ما تتميز به كي تنطلق من خلاله إلى العالم أجمع.
ولا شك أن مثل هذه الفعاليات الكبرى تسهم في الترويج السياحي والثقافي، فمثلا عندما نتحدث عن أي فعالية في وطننا العزيز عُمان، فإننا نرى كيف يتحدث العالم عنَّا، وأضربُ مثالًا هنا باجتماعات الاتحاد الدولي للصحفيين "الكونجرس" المقرر انعقادها في العاصمة مسقط نهاية مايو الجاري؛ حيث سيأتي إلى السلطنة أكثر من 300 صحفي من مختلف دول العالم، وهو ما يمثل فرصة فريدة للترويج السياحي والثقافي للسلطنة، وتعريف العالم بما يزخر به وطننا الغالي من مقومات تؤهله لاحتلال مكانة مرموقة على خارطة السياحة العالمية.
إنَّ صناعة المعرفة وترسيخ الوعي والحفاظ على الهوية الوطنية، لا يمكن أن يكون مسؤولا عنها جهة أو جهات معينة؛ بل هي مسؤولية تشاركية من مختلف مكونات وأطياف المجتمع، بمؤسساته وأفراده وجمعياته، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة وتلبية التطلعات المشروعة.