د. خالد بن حمد الغيلاني
@khaledalgailani
الفساد آفة كل مجتمع، وسبيل كل تخلف وتأخر، ومناط كل سوء به تُنكب الدول، ومن خلاله تضعف أعمال التنمية، وهو والصلاح ضدان لا يجتمعان.
ولا مناص من أن انتشار الفساد في أي مجتمع، وتفشيه بين أفراده يودي بهم إلى الهدم، ويسير بهم نحو المجهول؛ الذي لا تحمد عواقبه، ولا يرجى الخير منه. والفساد في أبسط تعريف له هو: "خيانة الأمانة، ومخالفة القواعد والنظام، واستخدام السلطة الممنوحة في غير محلها أو لغير أهلها".
ولعل حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في رده على من تشفّع في المرأة المخزومية التي سرقت: "لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وما صاحب هذه الحادثة من غضب نبوي، وخوف محمدي على تجاوز الحدود، والشفاعة فيما فيه نص واضح، وعقوبة بينّة، يوضح كيف أنَّ هذا المسلك سبيل هلاك الأمم، وزوال الدول، وغاية شديدة العواقب، وطريق مؤدية إلى المهالك التي لا صلاح فيها ولا نجاح ولا فلاح.
إنَّ الماضي، والحاضر، والمستقبل كل ذلك يحدث بوضوح جلي أن الفساد إذا كان في مجتمع ذهب به نحو الهلاك، وإذا انتشر في دولة سار بها نحو الهاوية.
والفساد على أنواع عديدة وكل هذه الأنواع شر مستطير، ومرض جد خطير؛ فالفساد في تربية الأبناء وعدم الاهتمام بهم أثره شديد على التربية؛ ومن ثم جيل لا يعلم من الأمر شيئًا، ولا يصلح للبناء والتعمير، والفساد في العمل وعدم إعطاء الحقوق لأهلها وغمط الناس واستخدام "الواسطة" وشخصنة الأمور، والكيل بمكيال الباطل، والدّس للمجتهدين الباذلين المخلصين، والمكافأة على قدر القرب والبعد، لا على قدر الجد والبذل، هذا فساد وأي فساد فهو سبيل تعطل الأعمال، وتوقف التنمية، وهدر المال، وتوقف الإبداع، والحد من الابتكار وبالتالي ضياع الحقوق وغياب التطور، والوقوف عند نفس النقطة.
أما الفساد المالي وإساءة استخدام الموارد، والصرف في غير موضعه، وكثرة المناقصات وارتفاع أسعارها، وإعادة تعديلها، وإسنادها لذوي القربى فهذه مفسدة عظيمة، تؤدي إلى انهيار الاقتصاد، وضياع المال، وضعف الموقف المالي؛ وبالتالي زيادة الأعباء والتضخم وظهور البطالة، وارتفاع معدلات الفقر، وانتشار الجريمة، وضعف الاستثمار، وغير ذلك من مهلكات الاقتصاد.
وهناك الفساد الإعلامي القائم على المصلحة الشخصية، وإساءة التعامل، وإبراز المساوئ، وإظهار المثالب وتصّيد العثرات، وانتشار الشائعات، وهذا النوع من الفساد شديد على أي مجتمع وسبيل لبث الفرقة بين أفراده، وضعف الكلمة، وانعدام الثقة، وزيادة اللغط، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي.
وعمومًا فإنَّ الفساد أيًّا كان شكله أو نوعه أو درجته أو حجمه فهو فساد مع مرور الوقت يُؤدي إلى التهلكة والدمار، ويوصل إلى التخلف والاندثار. ولا سبيل أمام المجتمعات والدول إلاّ الضرب بيد الواثق، والعمل بثبات المتمكّن، والسعي بكل وسيلة ممكنة للقضاء على الفساد، واجتثاث عروقه، وإعمال القانون النافذ البصير في كل من تسوّل له نفسه ارتكاب نوع من أنواعه أو السير في درب الفساد أو حتى التفكير فيه.
لذلك فإنَّ الحوْكمة ضرورة مُلحة، وسلوك بالغ الأهمية لمكافحة الفساد ومحاربته، وتخليص المجتمع من شره، وشرور المستمرين فيه، الغائصين في حبائله. وهي مُهمة للغاية في كل جوانب الحياة، وأساس من أسس الثبات على مستويات التنمية المنشودة، وتحقيق الآمال والطموحات المرجوة. ولا يمكن لأي مجتمع كان الحد من الفساد ما لم تكن الحوكمة الحقيقية والشفافة والممكنّة قائمة بدروها المنشود. وإذا أردنا الحد من الفساد علينا تفعيل الحوكمة.
ولنا في هذا الوطن العزيز أن نحمد الله تعالى حق حمده، ونشكره جزيل شكره، أن قيضّ لعُمان سلطانًا كريمًا حكيمًا وضع الأمر في نصابه، واستل سيف عزمه، وسعى سعي من لا يروم إلا المجد ولا يرجو إلا رفعة عمان، فضرب بحزمه المعهود، وعزمه المشهود، ووجه كل المعنيين إلى أن الفساد آفة الآفات، وأننا عازمون على اجتثاثه والقضاء عليه، ساعون لذلك، ماضون نحوه بخطى لا مناص منها ولا سبيل عنها.
وقد انبرت مؤسسات الدولة المختلفة، وأذرعها المعروفة كل بقدر جهده وعمله، وبدوره وواجبه للقضاء على الفساد والحد منه، وهم بإذن الله تعالى ماضون في ذلك مستمرون فيه، وستأتي أكله الطيبة ولو بعد حين.
وهنا أدعو كل المعنيين من أجهزة رقابية وقانونية وقضائية وإعلامية لبذل المزيد من الجهد، وتوحيد الرؤى، وتحديد المسارات، وتوزيع الأدوار، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة ليتمكن كل مختص وصاحب مجال ودور وجهد من القيام بواجبه، ولنعلم جميعًا أنه لا يمكن لجهة العمل وحدها دون غيرها فالقضاء يد الحق التي تستمد قوتها من نص القانون وعزم السلطان، والرقابة يد القوة التي تستمد قوتها من أدوار نافذة وصلاحيات واضحة وتوجيهات لازمة.
والمشرعون يستمدون قوتهم من نظام أساسي واضح المعالم، لا لبس فيه ولا غموض، والإعلام يستمد قوته من حرية ممنوحة، وكفالة قانونية معلومة، وإرادة عمانية لا تتغير ولا تحيد ولا تلين. والجميع يستمد قدرته وعزيمته في مكافحة الفساد وحوكمة الأعمال من توجيهات السلطان وحب الأوطان وصون الحقوق لأبناء عمان.
حفظ الله تعالى عُمان وطنًا بالنفوس يفتدى، وسلطانًا بالمهج يرتجى، وشعبًا أبيًا بالخير مُحاطًا وللخير يسعى.