ميراث الأشقياء

عائض الأحمد

الأنقياء لا يرون ريبة ولا يتبعون تقية، شفافون ناصعو البياض، لا حرج لديهم في قولٍ أو فعلٍ، يقولون ويفعلون دون النظر لزيدٍ أو عمر، هكذا يرونها، ويعتمرونها حلال طيبًا وسكنًا وارف الظلال.

حالهم يغنيك سؤال من تراهم اليوم شعوبًا يسكنون دارًا واحدًا وكأنهم قبائل تتنازع أمرها في شأن يطفو على سطحهم يرفرف خفاقًا فوق رؤوسهم، وكأنهم من يتلبسه المس من الشيطان، ترتعد فرائصهم خوفًا وترقبًا وطمعًا فيما لدى بعضهم بعض.

يُلبسون أعناقهم أصفادًا لم يكونوا حامليها لو أحسنوا رضا القبول بما آتاهم دون "شبقة" حب المال.

لغة تواصلهم كم لديكم؟ وأين ما معكم؟ ينحنون أمام زيفه، يعبرون عن امتنانهم وأدبهم الجم، ميراث سفاهة يعشقه الأخلاء حد الجنون ويتقاسمون مشقته ألمًا وحسرة ومكابدة، يعتصرهم حتى يختلفوا، ويتنادوا بعد حين "نحن الأعلون".

مرآة يقف أمامها ظنًا منه أنه سيشاهد إنسانيته، ونسي أنه يحملها فوق كتفيه بأفكارٍ لن يراها أحدٌ سواه، ولكن وقعها يشاهده الثقلين.

ليس بيننا من يدعي الحياد إلا من جرد من قول الحقيقة، وفرح بصداقة الجميع الآنية. إن أردتَ أن تكون إنسانًا فقل ما تشعر به وتظنه الحق، وغض الطرف عن أي نقدٍ قد يطالك فهذه ضريبة يدفعها المتسامحون والقانعون بأن رضا الناس غاية لن تدرك، حتى لو ورثت الأرض ومن عليها فستجد جزءًا منك بعد كل هذا يتحدث عنك بسوء، ظنًا منه أن الحقيقة أن يصدقك القول قبل أن يأتي به خبر أحدهم.

يتنازعون وهم شتى، ويقتربون وهم جمع، ليسوا أكثر من أعداد، أكثرهم قرب أبعدهم رحمة، تزول الجبال وأحجارهم ثابتة لن تتزحزح، يولولون حين الفقد، ويبتسمون على خيبتهم فرحًا بما لديك، ضمير الغائب تردده قصصهم وحصر الحاضر جنون عظمة حلموا بتقاسمه، ضعف الطالب والمطلوب، خزي الدنيا عطرهم الفاخر، ولبس الشرف منظرهم حين اللقاء ،خاب سعيكم يا أشقياء، وبارت سلعتكم في أسواق أغلقت أبوابها، من ألطاف قدرته وجود أمثالكم لنجد الحديث والعبرة، ليذكّر أولو الألباب فيستعيذوا من مكر الأنفس وجشع الإنسان.

ختامًا.. لن تورث مال لمجموعة تعساء فقراءَ نفسٍ، لن يغنيهم مال قارون.

*******

ومضة:

الحكمة تُباع وتُشترى وتُدرك بعد فوات الأوان!

يقول الأحمد:

الغنيمة أن تُظهر حسن نواياك قبل أن ترفع عقيرتك بالحديث.