مقوّمات الأمن الاجتماعي

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

باحث اجتماعي وتربوي

sultankamis@gmail.com

 

يعد الاستقرار الاجتماعي مسلكًا قويما للديمقراطية الحديثة؛ فهو رأس سِنام الانسجام بين المواطنين والدولة، وهو صمَّام الأمان الرفيع لاستمرار التنمية الديناميكية للأمم، فما إن شعر النسيج المتباين في الأمة بتحقق العدالة والمساواة على قدمٍ وساق، استمرت عجلة التطور والنماء والرخاء بعيدا عن أي مُنغِّصات خارجية أو نعرات سرطانية دخيلة تلتهم حواضن الاندماج المجتمعي على اختلاف أطيافه وأعراقه وأجناسه وانتماءاته، فاستقرار البلاد، وتحقق الحياة الكريمة للعباد منوط بصورة كبيرة بتحقق جُملة من المحدِّدات المتينة، التي ما إن حادت عنها فُتحت أبواب الغضب والضجر وعدم الرضا والسخط وانعدام الثقة بين المواطنين والدولة على اختلاف مؤسساتها ورجالاتها.

فالانتماء الوطني أساس نجاح المُعادلة المتوازية بين السُّلطة والشَّعب، ولا يُستساغ تفسير ذلك الانتماء بالوطنية "الهُلامية" عبر طبول التمجيد والتعزيز في غير محله، أو تهويل إنجاز من الواجب والمسؤولية الوظيفية والوطنية القيام به، أو تنظير وفلسفة الوطن وقدسيَّته على عقول وقلوب الفقراء دون الأثرياء الذي لا ينفقون قيد أنملة من واجبهم تجاه التحديات التي تواجه أوطانهم أكانت اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو أمنية، كما أن الانتماء لا يتحقق من خلال هجرة الأموال السخيَّة من كُبراء المال والاستثمار من أوطانهم إلى مسارات أخرى لا يستفيد منها المواطن والوطن، فالانتماء عقيدةٌ وسلوكٌ وتوعيةٌ، قائم على التضلَّع والتشرَّب بما يحقق الصالح العام للأمَّة ويحفظ قُدسيَّة القانون والدستور، ويُمَارس لتطوير البلاد وخدمة العباد بما يحقق صالح الطرفين بكل قناعة وحب، وإدراكٌ بقيمة ردّ الجميل للأرض الطَّاهرة التي احتضنته وآوته بكل خير وسعادة.

وتمثل الشراكة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والأشخاص الاعتباريين ومن لهم صلة في صناعة القرار الاقتصادي وتحقيق الأمن الاجتماعي في أي أمة إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة السويَّة؛ فكما يُقال "يدٌ واحدة لا تصفق"، مما يستوجب خلق مسارات تشاركية تحقق المستوى الكريم والآمن لحياة الناس، في ظل ما يشهده العالم من تقلبات متباينة ألقت بظلالها على كاهل البُسطاء والفُقراء، وما إن تقاطعت مسؤولية الجهات المعنية والأشخاص الاعتباريين في تحقيق الصالح العام فإنَّ ذلك يُعزِّز الثقة بين الناس والدولة وشركائها في صناعة القرار، ويُعزِّز القيمة التنموية البشرية، ويحفظ النسيج المجتمعي المتعدد الأطياف، ويخلق بيئة صحيَّة للإبداع والتميَّز والابتكار، ويسهم في تعزيز المفهوم الحقيقي لانتماء المرء لأرضه وحضارته وتاريخه والدفاع عنها بمختلف الأساليب.

ويُشكّل التعليم المقصد الثالث الذي تُبنى عليه الاستراتيجية التنموية لأي أمة، فهو رأس حربة حسَّاس لتقديم القيم النبيلة، واستظهار مَلَكات الهُوية الوطنية في ظل التجاذبات العالمية المتسارعة، وذلك يتطلب تقويما وتقييما بنائيا دقيقا ومسؤولا للمشهد التربوي برمته، متى بدأنا؟ وماذا فعلنا؟ وإلى أين وصلنا؟ وما الذي نطمح له؟، فما إن وقف المعنيون بالحقل التربوي على الواقع واستناروا بمؤشرات الإنجاز والطموح مكَّن ذلك رسم خارطة طريق واضحة للتنمية التعليمية المنطلقة من فحوى المناهج الدراسية، وواقع المعلم، وطبيعة البيئة التربوية وما يواجها من تحديات فكرية متباينة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فالمصداقية والمسؤولية في إعادة هيكلة التعليم أساس التنمية، وبوابة الأمان الفكري للنشء، ومسار رفيع للأمن المجتمعي، وأرضية خصبة لاستيعاب القانون والدستور واحترامهما، والابتعاد عن تغليب الأنانية والفئوية والانتقام.

وأخيرًا.. إن العدالة المجتمعية هي القاعدة القويمة التي تُبنى عليها آمال وطموحات الانسجام والتآلف والدفاع عن مُقدَّرات الأوطان، واحترام الإنسان للإنسان وفق معيار الوطن للجميع، وثرواته بالعدل والمساواة، فمن يقرأ التاريخ يجد أن الكثير من الحِراك الراديكالي للشعوب انبثق بعد اضمحلال هذا المبدأ لأي سبب كان؛ وبذلك فإن إشباع بطون الفقراء، وحفظ ماء وجه المساكين والمحتاجين، وسدِّ رمق المُعدمين، وجبرِ خواطر العوزة والبائسين، هي مؤشرات رفيعة لتحقُّق العدالة المُجتمعية، ومدّ جسور الثقة بين جميع مكونات المجتمع، وإن تعذَّر تطبيقها فمن المفترض على المؤسسات ذات الصلة اتخاذ ما يلزم لتحقيق ذلك.