محمد بن حمد البادي
جهود كبيرة مُقدّرة ومُثمّنة بذلتها ولا تزال تبذلها وزارة الصحة في التعامل مع التطورات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) منذ اجتياح الوباء لسلطنتنا الحبيبة أسوة بمعظم دول العالم منذ مطلع عام 2020 حتى اليوم، وكلمة شكر تُسجل لكل العاملين في القطاع الصحي؛ أولئك الجنود المجهولين الذين وقفوا في الخطوط الأمامية لدرء الوباء والحد من انتشاره؛ معرضين أنفسهم ومن ورائهم عائلاتهم وذويهم لخطر الإصابة بالفيروس.
والشكر موصول كذلك لمعالي رئيس وأعضاء اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، الذين كانوا في اجتماع شبه دائم طيلة هذه الفترة؛ من أجل الوقوف على الوضع الوبائي عن قرب، والذين بذلوا الجهود المضنية، وسهروا الليالي الطوال؛ وضحوا بأوقات راحتهم دون كللٍ أو مللٍ، يعملون بكل إخلاصٍ وتفانٍ من أجل الخروج من هذه الأزمة الطاحنة التي عصفت بالعالم أجمع بأقل الخسائر.
ولكن بعد هدوء العاصفة ومرورها بسلام؛ وبعد تلقي تقريبًا جميع المواطنين والمُقيمين في السلطنة لجرعات التحصين ضد كوفيد19، وبعد ظهور مؤشرات تنبئ بأن الوضع الصحي أصبح مطمئناً جدا ولله الحمد والمنة، مثل انخفاض كبير في منحنى معدل الإصابات اليومي؛ وكذلك إعلان بعض مستشفيات السلطنة خلوها التام من المنومين في أقسام كوفيد19، وبعد تخفيف معظم دول العالم للقيود والإجراءات الاحترازية أو ربما إزالتها بشكل كلي، وبعد عودة الحياة لطبيعتها في جميع القطاعات الحكومية والخاصة؛ فلماذا التركيز فقط على الجوامع والمساجد والمصليات ودور العبادة دون باقي الأماكن؟ لماذا تطالبون مرتاديها بالتقيد بالإجراءات الوقائية والاحترازية وتتوعدونهم ليل نهار؛ وتشددون لهم في الخطاب؟ ما هي المعطيات والمؤشرات التي تم على إثرها هذا التشديد؟ لماذا لا تتركون الناس ليمارسوا عباداتهم باطمئنان وسكينة؟
علامة استفهام كبيرة جداً، هل ترون ما لا يرى الجميع؟ هل تبيّن لكم أنَّ فيروس كورونا معشش فقط في الجوامع دون غيرها؟ هل ترون أنَّ المساجد هي بؤرة انتشار الوباء؟ إن كان الأمر كذلك فلماذا لا يتم الإعلان عن ذلك بالشفافية التي عهدناها منكم؟ لماذا لا نضع الجميع في الصورة؟ حتى يقتنع الجميع بضرورة التقيد بالإجراءات الاحترازية دون مضض؛ ويتقبلون التوجيهات بصدور رحبة.
وبالتالي؛ أسوة بذلك؛ وبما أننا لا زلنا في دائرة الخطر، تصدرون التوجيهات مثلاً لوزارة التربية والتعليم بإلزام طلبة المدارس بالتقيد بالإجراءات الاحترازية من لحظة ركوبهم حافلة المدرسة التي يكتظ بها عدد كبير من الطلبة؛ دون التقيد بأدنى الاحترازات الوقائية، ثم طابور الصباح الذي يطبق دون تباعد، ثم في الفصول الدراسية ذات الكثافة العالية؛ وامتداداً لباقي مرافق المدرسة.
كما يجب أن يطبق القرار في المسابقات الرياضية؛ وبالأخص في ملاعب كرة القدم التي رأينا ورأى الجميع كيف كان وضع الجماهير في المدرجات؛ حيث لا تباعد ولا كمام ولا تقيد ولا احتراز.
وفي المؤتمرات والمحاضرات والندوات وورش العمل والحفلات الغنائية التي تقام دون اشتراط هذا التشدد في تطبيق الاحترازات الوقائية، وقس على ذلك العديد من القطاعات، فلماذا هذا التشديد غير المنطقي فقط في الجوامع والمساجد والمصليات ودور العبادة؟
يا معالي رئيس اللجنة العليا الموقر، ويا معالي وزير الصحة الموقر، نقدر لكم حرصكم على سلامة الجميع من الوباء ومن غيره من الأمراض والأسقام، ولكن بعد أن قطعنا شوطاً كبيراً في مكافحة انتشار الوباء، لا نتمنى أن نعود يوماً إلى نقطة الصفر، ولا نريد أن نظل ندور في نفس الدائرة، فحدثوا الناس بما يعقلون، يعني هل يعقل أنَّ الجوامع والمساجد تشكل خطراً أكثر من الملاعب والمدارس والأسواق ومراكز التسوق وقاعات الاجتماعات والندوات والمحاضرات؟
نرجو منكم يا معالي الوزير الموقر، ويا أعضاء اللجنة العليا الكرام؛ التكرم بمراجعة هذا القرار ليتنعم النَّاس بالصلاة في الجوامع والمساجد دون تشديد أو تضييق، وليعيشوا روحانيات ما تبقى من أيام وليالي هذا الشهر الفضيل، وليمارسوا عباداتهم وصلواتهم وقيامهم باطمئنان وسكينة.