الديمقراطية "الوصفة القاتلة".. باكستان أنموذجًا

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

خروج باكستان من عباءة الهند عام 1947م بمؤامرة مُبطنة من الإنجليز لإضعاف الهند بتشظي مكوناتها القومية إلى جغرافيات وكيانات سياسية مستقلة، أخرج باكستان كدولة تحت الوصاية الغربية قسرًا، طالما لا تستطيع مناكفة الهند ولا الندية معها.

فقد أوجد الإنجليز- وهم على وشك الإقلاع من الهند- وصفة مثالية من العداء بين مكونات الهند حينها، عبر مطية دعوة الحاكمية لله والتي رفعها أبو الأعلى المودودي حينذاك، وبفعل تلك الدعوة غير المنطقية أو العقلية سالت أنهار من الدماء بين مكونات الشعب الواحد، وأفضت إلى تقسيم الهند إلى باكستان الشرقية والغربية (باكستان الحالية وبنجلاديش)، وبالنتيجة خلقت علاقة موتورة بين البلدين ولغاية اليوم. ومن يومها أوجد الإنجليز حركات الإسلام السياسي لتشكل الذراع العنفي والدعوي للرأسمالية الغربية المتوحشة بأجنداتها المشبوهة المعادية للقومية العربية والمشروعات الوحدوية والنهضوية للأمة، وتخندقها مع الغرب وجهاداته الأطلسية في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا وغيرها من المناطق المُلتهبة حول العالم.

وبالعودة إلى باكستان، يمكن القول ومن واقع قراءة سريعة لتاريخها السياسي وبعد الانفصال عن الهند، إنها بقيت تحت رحمة الغرب ورعايته المباشرة، ولم تكن لها سياسة خارجية تتعدى مناكفة الهند والسير عكس خطاها، وهو ما يؤكد مقولة أحد العارفين بالشأن الباكستاني ونصها "إن السياسة الخارجية لباكستان تُصنع في نيودلهي". لهذا لم تهنأ باكستان بحكم وطني يُخرجها من عباءة الوصاية الغربية سوى لفترات زمنية بسيطة في أزمنة كل من المؤسس محمد علي جناح وأيوب خان وذو الفقار علي بوتو.

باكستان عادت لذاتها ولهويتها في زمن رئيس الوزراء عُمران خان (الذي تعرض لسحب الثقة من البرلمان)، عندما جاء بأجندة وطنية تنتشل باكستان من تبعيتها للغرب وتحقق مصالحها وتحارب بؤر الفساد بأنواعه والذي أصبح كدورة حياة تتناسل بين الأجيال وكأنه قضاء وقدر محتوم. عمران خان لم يأتِ من فراغ؛ بل أتى من قراءة عميقة لتاريخ بلده وزعاماته الوطنية، ووضع مصالح باكستان فوق الجميع بالداخل والخارج، وهذا ما لم يرق للغرب ولا لـ"حلفاء" باكستان التقليديين والذين أعتاد سفرائهم على التعامل كمندوبين سامين لبلدانهم في باكستان.

لا شك أن الإرث الذي ورثه عمران خان كان ثقيلًا وعميقًا ومتجذرًا، ولا يمكن تجاوزه بيسر وبدون جراحة، ومن هذا الإرث هو المنظومة الديمقراطية الليبرالية التي سارت عليها باكستان وباركها الغرب، وهي بطبيعة الحال وصفة قاتلة مستوردة لشعوب ترزح تحت نير الجهل والتخلف والفقر، فكان نصيب باكستان قشور الديمقراطية دون لُبها كغيرها من البلاد التي استوردت الديمقراطية ولم تنبع من حاجتها الفعلية، فسهل اختراق البلاد رأسيًا وأفقيًا من قبل جميع اللاعبين الأقوياء من الداخل والخارج وإعادة إنتاج البلاد على مقاسهم ومصالحهم وهواهم في كل حين.

اليوم تعيش باكستان فصلًا جديدًا من فصول الديمقراطية العبثية المستوردة والتي أطاحت برئيس حكومة وطنية مُنتخب في وضح النهار وعبر مفردات الديمقراطية المزعومة من قضاء وبرلمان، لتعود باكستان إلى حضن الغرب مجددًا وتتخندق معه ضد نفسها ومصالحها. وما يحدث بباكستان اليوم رسالة جلية لكل دعاة استيراد الديمقراطيات المُعلبة من الغرب، هذا الغرب الذي لا يُصدر سوى الكساد والفساد لشعوب الأرض لتكريس التبعية وتمكين الاستعمار الجديد بتفاصيله.

يقول الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال محمد ضياء الحق في وصفة للمتحالف مع أمريكا: من يتعامل مع أمريكا كمن يتاجر في الفحم، ليس له من تجارته سوى سواد الوجه والكفين!! وفوق هذا لم يتعظ ولم يعتبر أحد.

قبل اللقاء: " أصدقاء لا أسياد"، عنوان كتاب الرئيس الباكستاني الأسبق أيوب خان موجه لـ"الحليف" الأمريكي!!

وبالشكر تدوم النعم.