علي بن سالم كفيتان
ككُتّاب رأي لا يمكننا إغفال المزاج العام في ظل عدم توفر استطلاعات للرأي تقيس مستويات رضا المجتمع عن الأداء الحكومي بمختلف جوانبه، وما يستشفه الكاتب في هذا الشأن يعتبر بابًا من أبواب القياس بحكم المتابعة والاستماع لردود الأفعال؛ سواء على المستوى الشخصي أو من خلال تحليل أوعية الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
وما يلاحظ هو أن المواطن صار يتوقع الأسوأ، مما حدا بالجهات المعنية لتبرير كل خطواتها؛ سواء قبل الإقدام عليها أو بعد اتخاذها، ولعل قانون الحماية الاجتماعية المرتقب خير مثال، فقد حاولت الجهة المختصة طمأنة الموظفين بأن نظام التقاعد القادم يمنحهم حق الأفضلية بين النظام الجديد وأنظمتهم التي كانوا عليها، ومع ذلك ظل نزيف طلب التقاعد المبكر قائمًا تحسبًا للقادم، مما يُنذر برحيل كفاءات وطنية عالية الأداء صرفت عليها الدولة الكثير لصقلها وتأهيلها، ومنهم من هو في قطاعات حساسة يصعب تعويضها سريعًا كالأطباء وكبار المهندسين ومن على شاكلتهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا صار المواطن يتوقع الأسوأ وأصبح يبحث عن ملاذات أخرى أكثر أمانًا لحياته اليومية؟
ربما هذا الشعور غذته ظروف المرحلة التي ساد فيها تراجع الأداء الاقتصادي للبلد وانتشار جائحة كورونا، وهذا أمر طبيعي شاركتنا فيه معظم شعوب العالم، لكن اليقين المترسخ باستمرار لدى الإنسان العادي عن سوء الأوضاع وتردي الخدمات وتراجع مدخولاته والتضييق على معيشته اليومية، هي براهين يصعب معها إقناعه بالخطوات التي تقوم بها الحكومة لتعافي الاقتصاد، من خلال توجيه الفوائض للمديونية الحكومية المتراكمة، فهذا الإنسان البسيط لا يعير اهتمامًا لمستوى التصنيف الائتماني للبلد، ارتفع أو انخفض، بقدر ما يلاحق بقايا راتبه بين الخدمات الأساسية والبنوك وشركات التمويل وغلاء المعيشة، ويقول البعض إنه مع ارتفاع قيمة النفط كان المتوقع النظر لتلك الجيوب المنهكة عبر رفع علاوة غلاء المعيشة أو الإسراع بالترقيات الموقوفة منذ عشر سنوات، بينما يعيش المتقاعدون إجباريًا وضعًا مريرًا يلتمسون فيه إعادة النظر لأوضاعهم؛ كونهم إحدى المعالجات المستعجلة للركود الاقتصادي، بحيث يتم منحهم ترقياتهم المستحقة قبل التقاعد وتحسين مدخولهم ومنحهم بعض الميزات التي تعينهم على الوفاء بمتطلبات أسرهم. وعدم النظر لهذه الفئات يوسّع المسافة بين الحكومة والمواطن ويراكم الشعور بعدم الرضا.
البعض يتحدث عن إعلانات وهمية للتوظيف بات القطاع الخاص يستخدمها بحرفية أمام الحكومة، كأن يتم الإعلان عن وظيفة ما ثم يتم تحديد موعد للاختبارات ليتفاجأ جميع من تقدموا بأنهم سقطوا في الاختبار المعجزة؛ فتكون الحجة قائمة لأن تستقدم تلك المؤسسات وافدين أو تقوم بالإعلان عن الوظيفة داخليًا بحيث يتم تدويرها في ذات الشركة؛ فيتقدم لها أحد منتسبيها ويحصل عليها، بينما تشطب وظيفته القائمة، وللأسف يُحسب هذا السلوك توظيفًا لدى وزارة العمل. ومن السلوكيات غير الحميدة كذلك الإعلان عن وظائف للعمانيين عبر وزارة العمل والترشيح يتم عبر مكاتبها لتلك الشركات، وبعد إغلاق الترشيح وانتظار الاختبار التحريري أو المقابلات، تقوم الشركة بالإعلان عبر مواقعها على التواصل الاجتماعي عن ذات الوظائف باشتراطات غير التي تم الاتفاق عليها مع وزارة العمل، وتفتح الباب على مصراعيه للتنافس حتى من خارج السلطنة بحجة أنها تحتاج إلى خبرات، فمثل هذه السلوكيات تغذّي الشعور بالخذلان لدى الشباب الذين يرقدون على شهاداتهم، وهم يرقبون الحرب الضروس بين الحكومة والقطاع الخاص بينما هم ضحيتها للأسف.
عندما نتكلم عن المساواة في الحقوق والواجبات وإعادة الهيكلة القائمة على المهنية البحتة، يتوقع الكثير عودة كل الفروع إلى الأصول، كعودة ما هو صحي إلى الصحة، وما هو زراعي إلى الزراعة، وما هو ثقافي إلى الثقافة، وما هو ديني إلى الأوقاف، وهكذا، وفي ذات الوقت لا يتم تعطيل الترقيات في جهات والسماح بها في جهات أخرى، مهما كانت أهميتها، ففي النهاية الجميع مواطنون، وقد يكون أخوان في ذات البيت أحدهما في الجانب التي تسير أموره في السليم، والآخر ينظر بعين الحسرة على توقيف ترقياته وحذف علاواته التي كانت تعينه على نوائب الدهر. كل ذلك يجعل من المواطن يتوقع الأسوأ، ولا يثق في خطوات الحكومة. لكننا كلنا ثقة بأن حكومة مولانا جلالة السلطان- حفظه الله- قادرة على تصحيح المسارات الاجتماعية مثلما عملت باقتدار في الجانب الاقتصادي والسياسي خلال المرحلة الماضية.
لا يجب أن نقلل من أهمية معرفة توجهات الرأي العام والسعي لنيل ثقة المواطن، فهي صمام الأمان الأول للحفاظ على هوية الدولة، فمهما ارتفعت الإيرادات وتحسنت المؤشرات بينما المواطن العادي لا يلمس منها شيئًا على أرض الواقع؛ فهي لا تحقق الهدف ولا تغير الواقع... وحفظ الله بلادي.