الشباب بين عقود مؤقتة وحلول دائمة

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

استحدثت وزارة العمل نظام "عقود العمل المؤقتة" في محاولة منها لإيقاف قطار مشكلة الباحثين عن عمل ولو بشكل وقتي، وهو نظام معمول به في بعض الشركات الكبرى، إلا أن الوطن ليس شركة خاصة؛ بل هو منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات التي يتحملها طرفا المعادلة "الحكومة والمواطن"، والعمل الثابت والمستقر هو أحد الحقوق التي يضمنها قانون أي دولة، وهو خط الدفاع الأمني الاجتماعي الأول؛ حيث يرتبط استقرار الوطن باستقرار الأسرة، والشباب هم عماد هذه الأسرة، وبالتالي فهم عماد الوطن.

لذا أتمنى أن يكون حل "العمل المؤقت" مرحلة أولى لتأخذ الحكومة أنفاسها في هذا الملف، لكي تفكر بحل جذري للوصول إلى الهدف الأبعد وهو توفير وظيفة مستقرة للمواطن سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وأن لا يتحول مثل هذا النوع من العقود إلى وضع دائم لا أفق له.

(2)

"عقد عمل مؤقت" ماذا يعني؟!! يعني ببساطة شديدة "عمل مرتبط بوقت محدد"، بشروط معينة، يستطيع من خلاله "الموظف" أو "شبه الموظف" أن يسيطر على وضعه المالي لمدة سنتين أو أكثر، تتحول خلالها حالته المادية من وضع مالي غير مستقر إلى وضع شبه مستقر، حسب التصنيف الائتماني والمالي المصرفي، وبعد انقضاء العقد فإن لكل مقام مقال، فإما أن يتجدد العقد، أو أن يعود الموظف المؤقت إلى قائمة الباحثين عمل، وينضم من جديد للقافلة التي أتى منها، وهذا هو مصدر القلق النفسي الذي يضغط على "المتوظف" طيلة فترة العقد.

(3)

ولعل العمل المؤقت يعد حلًا جزئيًا، أو "مُسكّنًا" وقتيًا لمشكلة الباحثين عن عمل، ولكنه ليس الحل الجذري لها، ولذا فعلى المشرّع أن يبحث عن عناصر جذب متوافقة مع هذا النوع من التوظيف، وابتكار مزايا جانبية ترّغب الشباب في هكذا عمل، وتعيد لهم توازنهم النفسي المقلق، فالشباب الذين يتجهون للعمل المؤقت يفترضون أن يكون لديهم برنامج أو صندوق "تمويلي" مدعوم حكوميًا، كي يتمكنوا من بناء منزل أو شراء سيارة؛ وهي أحلام الشباب بشكل عام. كما إن كثيرا منهم بحاجة للزواج وبناء أسرة، وهذا هو دور "صندوق الزواج" الذي سمعنا به منذ زمن، ولم نرَ أي أثر له على أرض الواقع.

(4)

ينظر كثير من الشباب الباحثين عن عمل إلى "العمل المؤقت" بريبة، فهم ما زالوا لا يدركون آثاره، وهو وضع جديد لم يعتادوه، ولكنهم مضطرون لخوض غمار التجربة، ولو بحذر، حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويتعرفون على ميزاته، وتتضح لهم عيوبه، لذلك لا بد من طمأنة هؤلاء الشباب الذين قضى كثير منهم عمرا طويلا بحثا عن وظيفة وراتب يعينهم على التخلص من عالتهم على أهليهم، وبناء مستقبلهم، والذي هو في المقابل مستقبل وطنهم، لكي يساهموا في بنائه، لذا على الحكومة أن توجد لهم كيانا مستقرا نفسيا، وتشريعا جاذبا لهم، وأن تكون "العقود المؤقتة" مجرد مرحلة تنتهي بنهاية الأزمة الوظيفية، حتى لا يعتقد الكثير من الشباب أن مستقبلهم لا مستقبل له، بعقود عمل تنتهي بنهاية الحاجة لهم.