عائض الأحمد
لم يعد المصدر ذا أهمية، الأهم لدى البعض هو سرد الأحاديث والروايات أيًا كان مصدرها، وهنا أعني العلاقات العامة ووسائل التواصل مع الناس، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو حتى كيانات لها تواجد وأثر في حياتنا اليومية.
البعض لم تعد لديه القدرة على فرز الغث من السمين وكأن السنوات العجاف أصابت الكثيرين، وأصبحت المعلومة مشاعة وهذا جيد، ولكن المصدر والمنبع يتحدث عن نفسه ومصدره وإن كان عبر "المرحاض". في أحد الوثائقيات التي ترصد حجب وسائل التواصل، كان حديث هؤلاء الناس عبر مخلفاتهم وأماكن قذارتهم فماذا ستظن بأن يخرج لك.
ليس حريًا بك أن تسرد ما تعتقده أخبارا وتنشر فضلاتك على الملأ، الأجدر بك أن تقنع نفسك أولاً وتؤمن بأن فعلتك ستصل إلى متلقيها بسهم يلوكه الصدأ، وتغمره بقايا طمي سيلك الجارف الغارف كلما وقع في طريقه. ولتعرفهم جيدا، فإن لديهم هوس حد الجنون على الكذب، يسومون كل مخالف بأبشع ما تعلموا سب وقذف وتطاول، تفوح من أفواههم رائحة تزكم الفضاء.
الحياة لا تعني أن تعيش معاناة قد تخلقها إن لم تجد هم تكابده، لماذا تقتل المتعة؟ الجمال في التفاصيل البسيطة، دعها تمر هكذا دون سؤال وجرب أن تلتمس العذر مرة بعد مرة.
أنزل إلى الأرض ودع ذاك البرج المعلق في مخيلتك، وتواصل كما كنت قبل كل هذا، سأقبل بفقدك شهور لتصلني أخبارك كما هي وليس كما يظنون تحسبًا وريبة، دعها تسير دون توقف، وحاسب نفسك حساب محبين، ثم انثر الورد في طريقك فأنت من يستحق المرور فوقه رطباً ينساق ماؤوه وعطره بين قدميك إلى كل مجاوريك وعشاقك.
حديث الإشارة وصمت الألسن يسمعه من يريد الحق، ويبتغيه من ينشد سر جمال العقول، وليس من يبحث عن مكان يصرخ من خلاله أنا هنا دون وازع من أخلاق أو قدرة على كسب رضا مستمع منصت يبحث عن فضيلة.
مسعود ابن قريتي يحكي حديث "مرحاضه" ويقسم بأنه أكثر صدقا ممن سبقه إلى ذلك، الفرق فقط هو الوسيلة والغاية واحدة، وعندما وقع في وحلها إصابه دوار "النفايات"، فاغمض عينيه وسقط على مؤخرة رأسه ورأى السماء، ثم أقسم بأن لايعود لفعلته وحرَّم على نفسه كل ما زينته له من سوء، وأصبح يعتلي المنابر واعظا حامدا شاكرا، وأطلق عليه أهل القرية مولانا، وفي قول آخر "ما نسا مسعود".
إفلاس العقول لا يعادله شيء، وإن كان أحدهم يقسم بالدرهم والدينار، ويبيعك من أجلها، ويغض طرفه فيما سواها.
ختامًا.. سرك في صمتك ما لم يكن علم نافع.
*******
ومضة:
لم أندم على شيء، ولكن حينما أفلست أصابها الندم.
يقول الأحمد:
السير في الظلام خير من مصباحك المستعار.