أطفال التوحد ينتظرون حقوقهم

 

ميمونة البلوشية

في يوم الثلاثاء بتاريخ 29/3/2022 نظمت منصة عيون الرقمية ندوة تحت عنوان "واقع التوحد في سلطنة عمان بين التحديات والحلول" تحت رعاية صاحبة السمو الدكتورة تغريد بنت تركي آل سعيد، بالتعاون مع الجمعية العمانية للتوحد وبنك مسقط وبرعاية الحبيب العقارية.

افتتحت الندوة بعرض مرئي والذي تمت الإشارة من خلاله إلى بعض الأعراض السلوكية المرتبطة بطيف التوحد، وآراء بعض المختصين في طريقة تشخيص المرض وتقليل حدة الأعراض، كما تضمن العرض المرئي نماذج لأطفال التوحد وكيفية تعامل أسرهم معهم.

ومما لا شك فيه أن هناك صراع عميق مهما بدأ خفيا للبعض قد لاحظته في عيون أولياء الأمور، صراع العاطفة التي تدفعهم على الإصرار والمحاربة، وصراع كبت المشاعر وإخفاء الألم. والمفارقة أن البعد الأعمق في الأمر هي تلك التحديات التي تواجههم في سبيل دمج أبنائهم في مجتمع لم يوفر بعد كل وسائل مجابهة هذا المرض. لقد أشارت أم لطفل توحدي أنها في حاجة ماسة إلى الدعم بكافة أنواعه، نفسي واجتماعي ومالي كذلك. ولعل أهم دعم يحتاجه الطفل التوحدي هو تقبل المجتمع له.

وبناءً على ما توصل إليه مركز الأبحاث في جامعة السلطان قابوس أن هناك أكثر من 5 آلاف طفل في السلطنة مصاب بالتوحد، والأعداد في ازدياد في السنوات الأخيرة، ومما يبعث على القلق أنه من بين كل تسع أطفال، يتم تشخيص طفل واحد فقط!

لم تكن تلك الإحصائيات سوى ضربًا من الألم على أسماع الحاضرين، فقد يكون ابنك، ابني، أو ابنه من بين الثمانية الذين لم يتم تشخيصهم، والذين قد ترميهم الحياة بين أيدي المشعوذين، أو بين جدران أربعة خالية من الحياة  ومن كل مظاهر الإنسانية.

أما عن أولئك الذين تم تشخيصهم فليس حالهم أفضل، فكم من طفل توحدي تعلق قلبه بالمدرسة وهو يرى إخوته ينسلون من بين حجب الظلام إلى النور في مقاعد الدراسة، وكم طفل توحدي تعلق قلبه شغفا ليرى نفسه يحمل الحقيبة وينافس لنيل الدرجات.

بدأت الندوة بتقديم الأستاذة روان الزبيدي مديرة المركز العربي للتوحد شرح عن الاضطربات النمائية التطورية في أطفال التوحد، وقد تطرقت من خلاله إلى مسببات المرض، وإلى أنه يجب تشخيص المرض قبل سن النمو، فمن بعد سن النمو ومهما ظهرت الأعراض لا يمكننا تشخيص المريض على أنه توحدي.

بعد ذلك بدأت أعمال الندوة بمشاركة كل من الدكتور يحيى الفارسي رئيس الجمعية، والأستاذ راشد الغنبوصي عضو اللجنة التربوية بالجمعية، والأستاذة روان الزبيدي رئيسة المركز العربي للتوحد، والأستاذة زهراء مرتضى اللواتية أخصائية التوحد، وأدارت الندوة الدكتورة ثريا بنت سيف الحوسنية خبيرة ضمان جودة بالهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم ورئيس مجلس ادارة الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية. 

في مداخلتها، أفادت زهراء بنت مرتضى اللواتية أن في مستشفى جامعة السلطان قابوس طاقم متكامل يتكون من استشاري طب تطوري، وطب أطفال وأخصائي علاج وظيفي، وأخصائي نفسي وأخصائي نطق وتخاطب، فيبدأ التشخيص بإجراء اختبارات مقننة، تبدأ بالتاريخ الطبي (ADI) وهو اختبار طبي عالمي، يشمل جميع النواحي، تاريخ العائلة وولادة الطفل، ثم تجرى اختبارات اللغة والنطق، وأيضا اختبارات المهارات الحركية والذكاء كما يتم إرسال استبيان خاص للمدارس، وأخيرا يجرى اختبار خاص وهو اختبار أخير يتم تشخيص الطفل من خلاله بالتوحد، لكن المشكلة الأهم هي عدم وجود الاختبارات المقننة في كافة محافظات السلطنة، وهذا يتطلب من أولياء الأمور من مسندم وحتى ظفار أن يشدوا الرحال قاصدين محافظة مسقط لتشخيص أطفالهم وعلاجهم.

المشكلة الأخرى التي تطرقت إليها روان هي أن هناك العديد من الحالات التي تم تشخيصها متأخرا جدا وذلك بسبب تأخر موعد التشخيص في المستشفى المرجعي، وعند قدومهم إلى المركز الخاص كان من الصعب التعامل مع الحالة فهناك مؤشرات خطيرة بالنسبة للنمو الطبيعي، فكيف يمكن للمركز التعامل مع طفل عمره 16 سنة لم يتم تعليمه على المهارات الاستقلالية والتي يفترض أن يكون تدرب عليها في مرحلة الطفولة المبكرة؟

الندوة ألقت الضوء على أهمية التشخيص المبكر، والهدف الأساسي للتدخل المبكر والتأهيل هو الإستمرارية في الجلسات ليبدو التحسن جليا في الطفل التوحدي، ولكن للأسف الشديد يتم سحب العديد من الحالات وهي لم تكمل بعد جلسات التأهيل والسبب هو الضغط المادي على ولي الأمر من جانب، وبعد المركز المخصص للتأهيل، وهنا يأتي السؤال: بما أنه نص النظام الأساسي للدولة أن التعليم حق أساسي للجميع بدون استثناء وكما نعلم انضمت السلطنة إلى اتفاقية حقوق الطفل بموجب المرسوم السلطاني رقم (54/‏‏‏96) والمرسوم السلطاني المعدل رقم (99/‏‏‏96)، كما انضمت إلى البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالاتفاقية بموجب المرسوم السلطاني رقم 41/‏‏‏2004، وأنشأت لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل بموجب القرار الوزاري رقم (9/‏‏‏2001)، فبموجب قانون حق الطفل، أين حق أطفال التوحد في التشخيص والتأهيل والتعليم؟

وفي هذا الخصوص قال الأستاذ راشد الغنبوصي إن قانون حقوق الطفل في مادته (50/51) قد أقر بأن ما يحق للطفل السوي يحق للطفل المعاق كذلك. لذا نتمنى أن نجد أن النظام الدراسي يستطيع استيعاب الأطفل التوحديين فإن حرمانهم من التعليم واحدة من كبرى المشكلات التي يواجهها هؤلاء.

لم تكن هذه الندوة سوى وقفة عظيمة، وصرخة للخروج بحلول تجعل من أطفال التوحد وقد تغلبوا على صعوبات التوحد وانخرطوا في المجتمع، وقد ذكر في الندوة أحد الآباء بأن ابنه رغم إصابته بالتوحد، إلا إنه أكمل مشواره التعليمي وحاز على الماجستير.

إننا في حاجة كوادر طبية مؤهلة، ومراكز تأهيل، ومعلمين يجيدون التعامل مع أطفال التوحد، ونادت الندوة بأعلى صوتها أننا في حاجة إلى خطة وطنية شاملة ننقذ فيها أرواحا قد تعيش حياة طبيعية ولربما بقدرات جبارة.  لا أنسى في هذا المجال أن أذكر علماء كبار خلد العلم والتاريخ ذكرهم من قبيل اسحاق نيوتن الذي صاغ قوانين الحركة والجذب العام على الرغم من أنه لا يستطيع التأقلم مع الناس ويتكلم قليلا، وعرف بأنه يكمل محاضرته والقاعة خاوية لو لم يحضرها أيًا من تلامذته.

وآينشتاين صاحب النظرية النسبية فلقد كان مصابا بمتلازمة "أسبيرجر" وهي أدنى درجة من التوحد؛ حيث كان منعزلا ويكرر الجمل بهوس حتى سن السابعة. وتيمبل جراندين كانت كباقي المتوحدين لا تستطيع النظر في عيون الآخرين ولا تحب أن يحضنها أو يلمسها أحد، ولكن بالرغم من هذا كله كانت المفاجئة أن تخصصت في علم النفس واستطاعت أن تؤلف كتاب "قصة الشروق" وأصبحت بروفيسورة أمريكية متخصصة في علم الحيوان وصاحبة أفضل الكتب مبيعًا في سلوك الحيوان.

ليس أطفالنا أقل منهم، وليست عقولنا أدنى تقديرا، ولعل هذه الندوة كانت خطوة أولى من نوعها في السلطنة، والتي طرقت هذا الباب لإيجاد الحلول المناسبة للتحديات التي قد تواجه أطفال التوحد وأسرهم في السلطنة.

تعليق عبر الفيس بوك