السياقة أثناء الصيام

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

مَنَّ الله سبحانه وتعالى على المُسلمين بأن جعل لهم شهرًا من السنة ينتظره المسلم بشوق ولهفة من العام إلى العام ليبذل فيه العطاء راجيًا من ربه قبول الأعمال.

ولأنَّ الله تعالى فرض على المسلمين صيام شهر رمضان والذي نعتبره شهرًا للبذل والعطاء والسخاء بالإضافة إلى الصيام والقيام، فلابد للمسلم الصائم وهو يؤدي عبادة الصيام أن يتمتع بالإيجابية لأن الصيام ليس الامتناع عن الأكل والشرب فقط بل هو تهذيب وتزكية للنفس وبالتالي فإننا جميعاً كسائقين سنكون في أعلى درجات الالتزام راجين رضا الرحمن وقبول الأعمال، ونحن متفقون على أنَّ بعض الصائمين يشعرون خلال الأيام الأولى من الشهر بالصداع والدوار وذلك لأن البعض لم يعتد على الصيام المتقطع "صيام النوافل" قبل رمضان والصيام بشكل عام يؤدي إلى انخفاضٍ مؤقت في معدلات مستوى السكر في الدم وكذلك إلى الجفاف، الأمر الذي قد ينتج عنه ظهور حالات التعب والإرهاق لدى البعض، ولأنَّ جسم السائق وهو خلف عجلة القيادة لا يكون في حالة نشاط وحركة بل في حالة السكون وهذا الأمر قد ينتج عنه التأخر في ردة الفعل عند حدوث أي طارئ على الطريق وبالتالي ينتج عنه تأخر سرعة الاستجابة لديه لأنه ليس في حالة يقظةٍ تامةٍ وفي هذه الحالة يُشكل هذا السائق مصدر خطر على نفسه وعلى من برفقته ومن حوله من بقية مستخدمي الطريق الآخرين.

لذلك عزيزي السائق سأضع بين يديك بعض مؤشرات الخطر التي لابد لك من الالتفات إليها في حال شعرت بها خلال السياقة أثناء الصيام والتي تتمثل في شرود الذهن والقلق وتشتت الأفكار والتثاؤب المُتكرر وكذلك عدم تذكر معالم الطريق التي مررت بها للتو، وفقدان التركيز وصعوبة المحافظة على رأسك مرفوعًا وسرعة الانفعال وألم في العضلات، أما إذا شعرت بخروج المركبة عن المسار والتأرجح بين مسارات الطريق فهنا عزيزي السائق عليك بالتوقف فورًا عن مواصلة رحلتك ولا تُكابر وعليك اختيار المكان الآمن للتوقف على مسافة كافية من الطريق ولابد لك من أخذ قسطٍ من الراحة وأخذ غفوة يقدرها المختصون بين 15 إلى 20 دقيقة، ثم بعد ذلك تنهض وتغسل وجهك وتأخذ نفسًا عميقا وتمشي قليلاً حول مركبتك لتنشط الدورة الدموية لديك وستشعر بالحيوية والنشاط من جديد، وقد لا يوافقني الرأي بعض السائقين وقد تحدثهم نفسهم بمواصلة الطريق حتى لا يتأخرون على موعد الوصول، ويتجاهل البعض مؤشرات الخطر التي تطرقنا إليها ولكن اعلم عزيزي السائق أن التوقف قليلاً لأخذ غفوة تسمح بتجديد النشاط وتصل متأخراً، خيراً لك من أن لا تصل، واعلم بأن الإنسان يعيش في هذه الدنيا مرةً واحدة فقط فاختر كيف تريد لحياتك أن تكون.

عزيزي السائق نحن كمسلمين لدينا طقوسنا الخاصة خلال أيام وليالي شهر رمضان وهي تختلف من بلد إلى آخر، ومنها صلاة التراويح والقيام وحلقات الذكر وتلاوة القرآن والتجمعات العائلية والشبابية، ومع أنَّ بعض هذه الطقوس تعتبر من العبادات إلا أن النوم المُبكر يُعد ضرورة مُلحّة خاصة لمن ستكون لديه في صباح اليوم التالي رحلة عبر البر للتوجهِ إلى العمل أو للدراسة، وبالتالي فإنه من الضروري جدًا للسائق أخذ القدر الكافي من النوم قبل بدء السياقة نحو وجهتهِ وخاصة خلال الانتقال بين المدن والمحافظات وقطع المسافات الطويلة، ولابد لك عزيزي السائق قبل التحرك بمركبتك من القيام بفحص حالة الإطارات ومستوى ضغط الهواء بها وكذلك فحص مستوى زيت المحرك وماء المُبرّد وضبط المرايا الجانبية والمرآة العاكسة للخلف ولابد لك ومن برفقتك من ارتداء أحزمة الأمان التي توفر قدرًا كبيرًا من الحماية، وحتى لا تتعرض لتعطل المركبة وتكون مضطرًا للتوقف على الطريق وأنت صائم لتضمن رحلة آمنة وسالمة بإذن الله، كما لابد لك عزيزي السائق من الالتزام بقواعد المرور وترك مسافة أمان كافية بين مركبتك والمركبة التي تسير أمامك وعليك بالالتزام بمسار واحد قدر الإمكان لتحافظ على هدوء النفس والسكينة لديك وتتجنب الإرهاق الذهني الذي يؤدي إلى التشتت والذي يتسبب بالتعب والإرهاق، وكن في حالة يقظةٍ تامةٍ وفيما لو شاهدت مركبة أمامك تتأرجح بين مسارات الطريق استخدم بوق مركبتك لتنبيه السائق فقد تكون أنت السبب بعد الله تعالى في نجاته ومن برفقته، وكم من حوادث الطرق ذهب ضحيتها الأبرياء بسبب التعب والإرهاق والنوم أثناء السياقة.

عليك عزيزي السائق التحلي بالصبر وضبط النفس خلال السياقة على الطرقات المزدحمة وهذا ما نشهده في وقت الذروة أثناء ذهاب الجميع إلى أماكن عملهم أو جامعاتهم ومدارسهم، وكذلك بعد انتهاء العمل وأثناء العودة إلى المنزل فالكل خارج في أوقات متقاربة والكل يود الوصول لوجهته ونلاحظ أن بعض السائقين يود كسب الوقت وتجدهم ليسوا ملتزمين بقواعد المرور لأجل اختصار الزمن، وهنا لا بد لك عزيزي السائق من المحافظة على الهدوء وترك مسافة أمان كافية لكي تتجنب أي وقوفٍ مُفاجئ وتذكر دائمًا أنك صائم فكن سمحًا في أفعالك وسلوكك، وحاول عزيزي السائق تجنب المشاوير التي ليست ضرورية قبل المغرب بساعة لأنه في الغالب تجد الناس في عجلةٍ من أمرهم ويودون الوصول إلى منازلهم بسرعة، وفي حال كنت في رحلة وسيحلُ عليك موعد الإفطار قبل وصولك لوجهتك فمن الأفضل لك أخذ وجبة خفيفة كالتمر والماء واللبن حتى تطبق السنة في تقديم الإفطار وتفطر على الأذان وتصل لوجهتك سالمًا، فهناك من يسوق مركبته برعونة قبل موعد الإفطار لكي يختصر الزمن ويصل منزله على موعد الإفطار وقد يتسبب مثل هؤلاء بالكثير من المشاكل على الطريق.

عزيزي السائق أنت تدرك أن الصيام يُهذب النفس ولأنك صائم ستكون مثالاً للالتزام بقواعد المرور على الطريق، وبالتالي ستحافظ على القدر الكافي من النوم قبل الانطلاق نحو وجهاتك وستبكر قليلاً لتتجنب الازدحام وبإذن الله ستصل سالمًا إلى حيث تشاء.